الحجر البیطري

الدکتور صباح حسین علوان / خبیر بیطري

8/16/2024

مصطلح مشتق من كلمة يونانية تعني أربعين يوما. وهي المدة التي تحجز فيها السفن القادمة من بلدان مصابة بمرض الكوليرا ( الطاعون والحمى الصفراء ) .

وهي فترة لا تستند لأساس علمي أو واقعي بل إلى أفكار موروثة . والرقم أربعون إتخذ على أساس إطالة الفترة للحجز للتأكد من سلامة الركاب الموجودين على ظهر هذه السفن و ترجع أقدم السجلات إلى النصف الثاني من القرن الرابع عشر في منطقة البحر الأبيض المتوسط. فسلطات مدینة البندقية هي التي فرضت هذه القيود في العام ١٣٧٤ حيث منعت دخول المسافرين المشتبه بإصابتهم بالطاعون الدولي .وأقامت البندقية عام ١٤٠٣ نظام الاحتجاز للسفن وأقامت مدینة جنوا المجاورة لها حواجز مماثلة ضد الطاعون .

هذه الاجراءات تؤيد إستعمال تلك الكلمة في مجالها الانساني كبداية و من ثم تطور إستخدامها في عموم العالم على حجر الحيوان فظهر مصطلح ( الحجر البيطري ) . لققد کان لظهور الاصابة بمرض الطاعون البقري في أوربا بشکل عام و فرنسا بشکل خاص ، حيث أدت هذه الاصابة لهلاك أعداد مهولة من الثروة الحيوانية . فرض المرض نفسه و بقوة بضرورة إستخدام هذا المصطلح، في بناء فكرة جديدة تكون مسؤولة عن منع دخول الامراض الحيوانية لاي بلد .

إن عملية الحجر البيطري عملية متكاملة تشمل جوانب عدة تتكاتف مع بعضها للحصول على النجاح اللازم , فلابد من الجانب القانوني , وهو الجانب المهم و الضروري الذي يعطي السلطات الصلاحيات القانونية لتنفيذ كل ما يلزم لتحقيق الهف من عملية الحجر ككل .

كذلك لابد من الجانب الاداري، فلابد من هيكلية معينة منظمة تتولى تنفيذ تلك التشريعات على أرض الواقع تدار بنظم إدارية معروفة ومسئولة لديها رؤية وخطط واضحة و كوادر تتولى تدريبها بالشكل اللازم لأداء مهامها بالشكل الاصولي .

الجانب الاخر المهم هو الجانب الفني، والذي يشمل مجموعة من الاجراءات الفنية الدقيقة اللازمة التنفيذ على الحيوانات و المنتجات الحيوانية المراد إستيرادها أو تصديرها منها إجراءات الاذونات اللازمة لكل مادة و الوصولات و طبيعة التعامل معها و المواد اللازمة للتطهير والتطعيم وغيرها من الاجراءات.

لذلك تعرف عملية الحجر البيطري : أنها مجموعة من الاجراءات القانونية و الادرية و الفنية الواجب إتخاذها على الحيوانات و المنتوجات الحيوانية المستوردة أو المصدرة . و هي عملية متكاملة يجب أن لا يشوبها أي خلل في أي جانب أو عنصر من عناصرها . و عاشت الدول تجارب عديدة في هذا المجال مثل :

أولا : أصدرت بريطانيا أول لوائح محجريه في عام ١٨٢٥

ثانیا : عقد أول مؤتمر في باريس سنة ١٨٥٠ بغیة تنظیم الحجر الدولي للسفن و التجارة الدولية . و توسع استعمال هذا المصطلح في إستعماله من حقل الإمراض البشرية ليشمل الأمراض الحيوانية وهنا إنشاء الحجر البيطري .

ثالثا : في العام ١٩٦٠ قررت الدول الأعضاء في المنظمة العالمیة لصحة الحیوان (مكتب الدولي للأوبئة الحيوانية سابقا) إنشاء لجنة دائمة لدراسة اللوائح الصحية بشان الاستيراد و التصدير للحيوانات و منتجاتها . و قد قامت هذه اللجنة بتنقيح قائمة الأمراض التي أعدها المكتب و الموجودة منذ العام ١٩٢٤ . وبناء عليه أعدت قوائم جديدة للإمراض ثم وافقت عليها السلطات البيطرية في الدورة التي عقدت عام ١٩٦٤ . في العام ١٩٦٨ تمت الموافقة على اللائحة الدولية للحيوان باسم (الميثاق الدولي لصحة الحيوان )

إن استيراد الحيوانات أو الأغذية من الإنتاج الحيواني و المصابة بالعدوى أو المعرضة لها أو المواد الملوثة مثل اللحوم والدواجن والبيض أو اللقاحات أو المواد البايولوجية أو الأنسجة المستزرعة أو السائل المنوي، هي من أسهل الطرق التي تتسبب في إنتشار الأمراض بين البلدان. وكأمثلة على ذلك نذکر ما جرى في ليبيا ١٩٨٨ من إنتقال مرض الدودة الحلزونية من حيوانات حية مستوردة، و داء الأورام اللمفاوية الذي يصيب الأبقار في السعودية و طاعون الأبقار في تركيا و سوريا و العراق و التهاب الإذن و القصبة الهوائية المعدي الذي يصيب البقر في الجزائر و مرض البروسيلا و دودة الكبد في الإمارات العربية المتحدة و غيرها من الامثلة الكثيرة و العديدة و المنتشرة في كل عموم العالم .

لذلك إكتسب مبدأ إعطاء السلطات العامة ، تخويلا بوضع و تنفيذ القانون و التعليمات الخاصة بالمحاجر البيطرية، أهمية كبرى لمنع إنتشار و السيطرة على الأمراض المختلفة الموجودة أو التي ممكن دخولها للبلد.

إن توسع مفهوم الحجر البيطري أعطي له أهمية كبرى من منظور تأريخي و واقعي على أنه إستخدام المعلومات المتاحة من قبل سلطة مخولة قانونا لمنع إنتشار مرض أو وباء معين آت من الخارج .

اترك تعليقا

قد يعجبك ايضا