صناعة الدواجن في العراق (2025): التحديات ومسارات التعافي الاستراتيجية
د.ماجد حمید الصایغ
13/ 7/ 2025
تُعدّ صناعة الدواجن في العراق من الركائز الأساسية للأمن الغذائي الوطني، كما تسهم في دعم آلاف العائلات من خلال توفير فرص العمل والمشاريع المحلية. وبحسب بيانات عام 2025، يوجد في العراق ما يقارب ٧٠٠٠ مشروع لإنتاج دجاج اللحم، إلا أن نحو ٣٠٠٠ منها متوقف حاليًا بسبب الصعوبات المالية واللوجستية. في المقابل، لا تزال مشاريع إنتاج بيض المائدة نشطة، حيث تتراوح بين ٤٠٠ و ٥٠٠ مشروع تنتج سنويًا من ٧ إلى ٨ مليارات بيضة. كما تحتضن البلاد أكثر من ٢٦١ مفقسًا تفرّخ سنويًا أكثر من ١.٣ مليار فرخة. تعكس هذه الأرقام قدرة محلية تغطي حوالي ٨٠٪ من حاجة السوق، وتصل أحيانًا إلى الاكتفاء الكامل خلال مواسم الذروة.
ورغم هذا الأداء القوي، تواجه صناعة الدواجن في العراق تحديات جوهرية تهدد إستقرارها و إستمرارها. من أبرز هذه التحديات الاعتماد شبه الكامل على إستيراد بيض التفقيس، حيث يُستورد نحو ٩٥٪ من هذا البيض بسبب الدمار الذي لحق بمزارع أمهات الدواجن، ولا سيما في سامراء، خلال فترات الحرب و النزاعات. كما يشتكي المنتجون من تدفق كميات كبيرة من البيض و اللحوم المستوردة إلى الأسواق خلال ذروة الإنتاج المحلي، ما يؤدي إلى إنهيار الأسعار وتكبّد المنتجين المحليين خسائر فادحة، بالإضافة إلى تسويق منتجات أجنبية على أنها محلية. و تزداد الضغوط المالية مع إرتفاع أسعار الأعلاف، حيث بلغ سعر طن كسبة فول الصويا نحو مليون دينار عراقي. أما مشاكل الكهرباء و إرتفاع أسعار الوقود، إلى جانب شحّ اللقاحات و الأدوية البيطرية، فقد فاقمت من معاناة المربين. ففي محافظة واسط وحدها، توقفت أكثر من ٥٠ مزرعة لإنتاج البيض خلال العام الماضي. هذا بالإضافة إلى وجود أكثر من ٢٤٠٠ مشروع دواجن تعمل دون ترخيص رسمي، وتفتقر إلى الرقابة البيطرية، ما يزيد من المخاطر الصحية و الاضطرابات في السوق.
لمواجهة هذه التحديات المتفاقمة، لا بد من إتخاذ إجراءات عاجلة لإعادة بناء البنية التحتية لإنتاج الدواجن وتعزيز إستقرارها. يجب تطبيق قوانين حماية المنتج المحلي بصرامة، ولا سيما خلال مواسم الفائض الإنتاجي، مع محاسبة المستوردين غير الشرعيين. كما ينبغي تأهيل مشاريع الأمهات وتقديم الدعم المالي والأراضي والتجهيزات اللازمة لها. ومن الضروري أيضًا توفير الطاقة الكهربائية بشكل مستقر، إلى جانب دعم أسعار الوقود لأصحاب المشاريع لتشغيل مولداتهم في ظل إرتفاع درجات الحرارة. أما المصارف الزراعية، فعليها توفير قروض ميسّرة للمربين، في حين ينبغي لوزارة الزراعة أن تضمن توفير اللقاحات والأعلاف والخدمات البيطرية بأسعار مناسبة. ولا يقل أهمية عن ذلك تنفيذ برامج تدريبية واسعة في إدارة المزارع الحديثة، والوقاية الصحية، وتحسين الأداء الإنتاجي.
في الختام، تمتلك صناعة الدواجن في العراق مقومات كبيرة تؤهلها لتلبية حاجة السوق المحلي، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتوفير فرص عمل واسعة. غير أن تحقيق هذا الطموح يتطلب استثمارًا حقيقيًا، وتدخلًا حكوميًا فاعلًا، والتزامًا وطنيًا بدعم المزارعين العراقيين. إذا ما تم العمل بتنسيق وإرادة واضحة، يمكن للعراق أن يحوّل قطاع الدواجن من حالة الهشاشة إلى نموذج للاستقرار والازدهار والاكتفاء المستدام.