المستجدّات الحديثة في إنفلونزا الطيور: الاستراتيجيات الحديثة للمكافحة والاستئصال

ملخص سريع لأحدث التطورات

 

 

الأستاذ الدكتور ضياء محمد طاهر جوهر أستاذ الصحة العامة/ کلیة الطب البیطري / جامعة الموصل

2/ 11/ 2025

استمرار الانتشار العالمي:

ما تزال سلالات إنفلونزا الطيور عالية الضراوة (HPAI)، وخاصة النمط الفرعي H5N1 و H5Nx، تنتشر على نطاق واسع في الطيور البرّية والدواجن، كما سُجّلت إصابات غير مسبوقة في أنواعٍ من الثدييات (منها الأبقار الحلوب في الولايات المتحدة). هذا الاتساع في نطاق العوائل يرفع فرص تحوّر الفيروس.

العدوى البشرية: ما تزال حالات العدوى البشرية نادرة لكنها ممكنة، وقد أُبلغ عن عشرات الحالات الفردية في عامي 2024–2025، معظمها بسبب التعرض المهني المباشر. لم تُسجَّل أي دلائل على انتقالٍ مستمر بين البشر.

المراقبة الجينومية: أصبح تحليل التسلسل الجيني في الوقت الحقيقي (مثل منصّات Nextstrain وGISAID) أداةً محورية لمتابعة التغيرات الجينية وتحديد الطفرات الخطرة وتحديث لقاحات الطيور.

استراتيجية "الصحة الواحدة": أطلقت منظمات الفاو FAO والمنظمة العالمية لصحة الحيوان WOAH ومنظمة الصحة العالمية WHO خطةً مشتركة لتنسيق جهود المراقبة، والتشخيص، والتطعيم عند الحاجة، والتواصل المجتمعي لخفض المخاطر.

الاستراتيجيات الأساسية للسيطرة على المرض
1- المراقبة المتكاملة للحياة البرّية والطيور والدواجن والبشر
يجب الحفاظ على برامج الرصد في الطيور البرّية والقطعان التجارية والبيئات عالية الخطورة (كمياه الصرف والمزارع المختلطة)، مع ربط التشخيص الميداني بتحليل الجينوم لتحديد السلالات الناشئة بسرعة.

2- تعزيز الأمن الحيوي في المزارع والأسواق
تشمل الإجراءات: تحديد الدخول إلى المزارع، تعقيم الأدوات والعربات، عزل الدواجن عن الطيور البرية، وإيواؤها في أماكن مغلقة في فترات الخطر الموسمي. كما يُنصح بإغلاق وتنظيف أسواق الطيور الحية مؤقتاً عند اكتشاف الفيروس.

برامج التطعيم الموجَّه (عند الحاجة)
يُعدّ التطعيم أداةً مساندة لتقليل الإصابات والخسائر الاقتصادية في المناطق الموبوءة، مع الالتزام بما يلي:

• استخدام لقاحات مطابقة للسلالات المنتشرة محلياً. وذلك يعني ان فيروس إنفلونزا الطيور (خصوصاً الأنواع مثل H5 وH7) يتغير باستمرار من خلال التحور الجيني (mutation) وإعادة التشكيل (reassortment)، لذلك، اللقاح الذي صُمم قبل فترة قد لا يكون فعالاً ضد السلالات الجديدة المنتشرة في المنطقة.

الهدف من استخدام لقاحات مطابقة للسلالات المحلية هو: تحقيق مناعة فعالة في الدواجن ضد الفيروس المنتشر فعلاً في البيئة ومنع حدوث العدوى الصامتة التي قد تبقي الفيروس في القطيع رغم التطعيم والحد من انتشار المرض إلى مزارع أخرى أو حتى إلى البشر (في بعض الأنواع). يتم ذلك عمليا بقيام المختبرات البيطرية المحلية بعزل الفيروس المنتشر حالياً في الحقل وتُحليل خصائصه الجينية والمستضدية ومقارنة هذه الخصائص مع سلالات اللقاحات المتوفرة، إذا كانت هناك فروق كبيرة، يتم تحديث اللقاح أو تطوير لقاح جديد يتطابق مع السلالة المحلية.

• تطبيق استراتيجية DIVA (تمييز الطيور المصابة عن الملقحة).

نعم، استراتيجية DIVA (اختصاراً لـ: Differentiating Infected from Vaccinated Animals) أو تمييز الطيور المصابة عن الملقحة، هي ركيزة أساسية في برامج مكافحة إنفلونزا الطيور عندما يتم استخدام اللقاحات، والفكرة الأساسية هي عند تطعيم الطيور، تصبح أجسامها تحتوي على أجسام مضادة للفيروس (بسبب اللقاح)، وهذا يجعل من الصعب معرفة ما إذا كانت الطيور محمية باللقاح أو أصيبت فعلاً بالفيروس الميداني. استراتيجية DIVA تمكّننا من التمييز بين الحالتين، بناءا على استخدام لقاح معدل، بحيث:

يحتوي اللقاح على مستضدات (antigens) معينة من الفيروس (مثلاً بروتين H فقط)، بينما تُستبعد أو تُغيّر بعض المستضدات الأخرى الموجودة في الفيروس الطبيعي (مثل بروتين N أو جزء من بروتين داخلي).

وبذلك، عندما نُجري اختبارات مصلية (serological tests):

- إذا كانت الطيور تحتوي على أجسام مضادة فقط ضد مستضدات اللقاح فهي ملقحة وليست مصابة.

- أما إذا وُجدت أجسام مضادة ضد المستضدات التي لا توجد في اللقاح فهي مصابة فعلياً بالفيروس الميداني.

أدوات تنفيذ DIVA: استخدام لقاحات تحتوي على مستضد واحد (مثل H5 فقط) وإجراء اختبار ELISA خاص ببروتين N1 أو N2 للكشف عن الإصابة الطبيعية وبناء نظام مراقبة مصلية (serosurveillance) لتتبع الانتشار الحقيقي للفيروس في المزارع.

من فوائد استراتيجية DIVA هي السماح باستمرار التطعيم دون فقدان القدرة على المراقبة الوبائية والمساعدة في التمييز بين تفشي المرض والعدوى الناتجة عن اللقاح ودعم خطط التصدير الدولية، لأن الدول المستوردة تطلب التأكد من خلو الطيور من العدوى الفعلية ووضع خطة خروج تدريجية لتفادي استمرار الفيروس بشكل خفيّ.

4- الإعدام الإنساني للقطعان المصابة والمخالطة
إزالة الطيور المصابة بسرعة، مع تنفيذ نظام تتبعٍ وتعويضٍ عادلٍ للمزارعين، تبقى من أنجع الوسائل لوقف الانتشار المحلي، بشرط التخلص الآمن من الجثث وتعقيم المكان جيداً.

5- التنسيق وفق نهج "الصحة الواحدة" وحماية العاملين

يقتضي ذلك دمج الجهود بين الجهات البيطرية والصحية والبيئية في المراقبة والاستجابة، وتأمين العاملين المعرضين للفيروس بمعدات الوقاية الشخصية، وإجراءات المتابعة الطبية والمضادات الفيروسية الوقائية.

المراقبة الجينومية المستمرة لتوجيه الإجراءات
يساعد تحليل التسلسل الجيني في تحديث اللقاحات، ورصد الطفرات المرتبطة بالتأقلم مع الثدييات أو مقاومة الأدوية، وتوجيه التحركات الوقائية عند الحاجة.

7- تنظيم الحركة والتجارة وبرامج التعويض
تُعدّ القيود المؤقتة على حركة الدواجن والتجارة، مع تعويضٍ منصفٍ للمربين، ضروريةً لضمان الإبلاغ السريع والتعاون في احتواء الفيروس

8- التواصل والمشاركة المجتمعية

التوعية المستمرة لمربي الدواجن وأصحاب الحيازات الصغيرة والعاملين في الأسواق أمرٌ أساسي لتقليل الممارسات الخطرة وتحفيز الإبلاغ المبكر عن الحالات.

نحو الاستئصال ، ما الممكن واقعياً؟

الاستئصال العالمي لإنفلونزا الطيور غير ممكن في ظل استمرار الفيروس في الطيور البرية، لكن الاستئصال الموضعي في مناطق محددة ممكن من خلال الكشف المبكر والعزل السريع والتطعيم المحكم وتحسين الأمن الحيوي.

الهدف الواقعي هو التحكم المستدام وتقليل المخاطر عبر تقوية الأنظمة الصحية والزراعية ضمن إطار "الصحة الواحدة" للفترة 2024–2033.

توصيات تشغيلية للدول والمزارع
1. توسيع برامج التسلسل الجيني ومشاركة البيانات بشكلٍ فوري.

2. تعزيز الأمن الحيوي، خصوصاً في المزارع المختلطة (دواجن/أبقار).

3. تجهيز مخزون لقاحات مطابق للسلالات المنتشرة وتفعيل اختبارات DIVA

4. تأمين سلامة العاملين عبر التدريب، ووسائل الوقاية، وبرامج المتابعة الصحية.

5. إنشاء أنظمة تعويض فعالة لتشجيع الإبلاغ المبكر والاستجابة السريعة.

أهم الاستنتاجات

ما تزال إنفلونزا الطيور عالية الضراوة تهديداً متجدداً يتطلب يقظةً دائمة بسبب توسع نطاق العوائل وتكرار التحوّرات. أفضل النتائج تتحقق من خلال الاستجابة المتكاملة التي تجمع بين التحليل الجيني، التطعيم الموجَّه، الأمن الحيوي، الإعدام السريع، حماية العاملين، والتعاون الدولي الشفاف.

المصادر
- منظمة الصحة العالمية (WHO): التحديثات حول لقاحات وأنشطة إنفلونزا الطيور.

- منظمة الأغذية والزراعة (FAO): التقارير العالمية عن إنفلونزا الطيور ذات الإمكانية الانتقالية للبشر.

- منصة Nextstrain لتتبع تطور الفيروس في الوقت الحقيقي.

– Joint Assessment (FAO/WOAH/WHO) July 2025. – Centers for Disease Control and Prevention (CDC): Monthly Summaries of Human H5N1 Cases (2024–2025).

اترك تعليقا

قد يعجبك ايضا