مرضية وديناميكية انتقال فيروس الأنفلونزا H5N1 المصيب للأبقار
الأستاذ الدكتور صلاح مهدي حسن
أستاذ أمراض الدواجن والخبير الأستشاري لصحة الدواجن
22/7/2024
تصيب فيروسات أنفلونزا الطيور H5N1 شديدة الضراوة (HPAI H5N1) اللبائن أحيانًا، ولكنها عادةً لا تنتقل بينها. في ربيع العام 2024، حدث تفشي غير مسبوق لفيروس HPAI H5N1 في قطعان الأبقار في الولايات المتحدة، مع انتشار الفيروس داخل القطعان وفيما بينها، وإصابة الدواجن والقطط، وانتشاره إلى البشر، مما يشير بشكل جماعي إلى زيادة المخاطر على الصحة العامة.
وجدت سلسلة من التجارب على فيروسات أنفلونزا الطيور H5N1 شديدة الضراوة (HPAI H5N1) المنتشرة في أبقار الحليب الأمريكية المصابة أن الفيروسات المتواجدة في حليب تلك الأبقار تسببت في أحداث مرض شديد في الفئران وأبن عرس ( Ferret ) عند تخميجها عن طريق التقطير بالأنف.
ويرتبط الفيروس المعزول من الأبقار المصابة بفيروس H5N1 بكل من المستقبلات الخلوية لدى الطيور والإنسان، ولكن الأهم من ذلك أنه لم ينتقل بكفاءة بين ابن عرس المخمجة بتقطير الجهاز التنفسي.
تشير النتائج المنشورة في مجلة Nature بتاريخ 8 / تموز / 2024 إلى أن فيروسات HPAI H5N1 المعزولة من الأبقار المصابة حاليا" قد تختلف عن فيروسات HPAI H5N1 السابقة وأن هذه الفيروسات قد تمتلك خصائص يمكن أن تسهل العدوى وانتقالها بين اللبائن. ومع ذلك، لا يبدو أنها قادرة حاليًا على الانتقال عبر الجهاز التنفسي بكفاءة بين الحيوانات أو البشر.
في مارس 2024، تم الإبلاغ عن تفشي فيروس HPAI H5N1 بين أبقار الحليب الأمريكية والذي انتشر عبر القطعان وأدى إلى إصابات مميتة للقطط المتواجدة في المزارع المصابة ، وامتداد العدوى بعد ذلك إلى أصابة الدواجن، فضلا عن الإبلاغ عن أربع إصابات بشرية بين العاملين في مزارع الألبان. وتبين أن فيروسات HPAI H5N1 المعزولة من الأبقار المصابة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بفيروسات H5N1 التي انتشرت في الطيور البرية في أمريكا الشمالية منذ أواخر العام 2021. ويبدو أنه بمرور الوقت، خضعت تلك الفيروسات التي أصابة الطيور البرية لتغيرات جينية وانتشرت في جميع أنحاء القارة مما تسبب في تفشي المرض في الطيور واللبائن البرية، مع حدوث معدلات وفيات في بعض الأحيان واشتباه في انتقال العدوى داخل الأنواع الحيوانية .
لفهم خصائص فيروسات H5N1 المعزولة من الأبقار بشكل أفضل، أجرى باحثون من جامعة ويسكونسن ماديسون، وجامعتي شيزوكا وطوكيو اليابانيتين ، ومختبر التشخيص الطبي البيطري في جامعة تكساس A&M تجارب لتحديد قدرة فيروس HPAI H5N1 المعزول من الأبقار على التكاثر والتسبب في المرض لدى الفئران والقوارض ممثلة بابن عرس ، والتي تستخدم بشكل روتيني في الدراسات المتخصصة في فيروس الأنفلونزا A. ومن الجدير بالذكر ، بأنه يُعتقد أن ابن عرس نموذج جيد لفهم أنماط انتقال الأنفلونزا المحتملة بين البشر لأنها تظهر عليها أعراض سريرية مماثلة واستجابات مناعية وتصاب بعدوى الجهاز التنفسي مثل البشر.
قام الباحثون بإعطاء الفئران جرعات من أنفلونزا HPAI H5N1 عن طريق التقطير في الأنف وبجرعات مختلفة (5 فئران لكل جرعة )، وتم مراقبة الحيوانات لمعرفة التغيرات في وزن الجسم وحدوث الهلاكات وعلى مدى 15 يومًا. و أظهرت النتائج أن جميع الفئران التي تلقت الجرعات العالية هلكت بسبب العدوى. وبعض الهلاكات في الفئران التي تلقت الجرعة الوسطية، بينما لم تشهد الفئران التي تلقت الجرعة الأقل أي فقدان في وزن الجسم ولم تسجل هلاكات.
وقارن الباحثون أيضًا تأثيرات فيروس HPAI H5N1 المعزولة من الأبقار مع سلالة H5N1 الفيتنامية التي تعتبر العزلة النموذجية لفيروس أنفلونزا الطيور H5N1 المصيب للبشر ، وفيروس أنفلونزا H1N1، وكلاهما تم حقنهم في الفئران عن طريق التقطير بالأنف . شهدت الفئران التي تلقت فيروس HPAI H5N1 المعزول من الأبقار أو فيروس H5N1 الطيور الفيتنامي معايير عالية من الفيروس في الأعضاء التنفسية وغير التنفسية، بما في ذلك غدد الثدي والأنسجة العضلية، فضلا عن حالات فردية في العيون. بينما تم العثور على فيروس H1N1 فقط في أنسجة الجهاز التنفسي للحيوانات. أظهر ابن عرس المصاب بفيروس HPAI H5N1 ، المعزول من الأبقار ، عن طريق التقطير بالأنف من ارتفاع درجات الحرارة وفقدان وزن الجسم. وكما هو الحال مع الفئران، أشر الباحثون معايير عالية من الفيروس في الجهاز التنفسي العلوي والسفلي للقوارض وفي الأعضاء الأخرى. الا أنه وعلى العكس من الفئران، لم يتم عزل الفيروس من دم أبن عرس أو أنسجة عضلاته.
كشفت الدراسة أن فيروس HPAI H5N1 المشتق من حليب الأبقار المصابة قد يسبب مرضًا شديدًا في الفئران وأبن عرس بعد تناوله عن طريق الفم أو عبر عدوى الجهاز التنفسي، حيث يؤدي إلى انتشار عام للفيروس إلى أنسجة غير تنفسية بما في ذلك العين وغدة الثدي والحلمة و/أو العضلات.
ولاختبار ما إذا كانت فيروسات H5N1 المعزولة من الأبقار تنتقل بين اللبائن عبر قطرات الجهاز التنفسي أثناء السعال والعطس، أصاب الباحثون مجموعات من أبن عرس (أربعة حيوانات لكل مجموعة) إما بفيروس HPAI H5N1 المعزول من الأبقار المصابة ومقارنتها مع أنفلونزا H1N1 المعروف بانها تنتقل بكفاءة عبر قطرات الجهاز التنفسي . وبعد يوم واحد، تم وضع ابن عرس غير المصابة في أقفاص بجوار أقفاص الحيوانات المصابة. أظهرت ابن عرس المصابة بأي من فيروسات الأنفلونزا علامات سريرية للمرض ومعايير عالية من الفيروس في مسحات الأنف التي تم جمعها على مدى عدة أيام. أما بالنسبة لمجموعات ابن عرس في الأقفاص التي بجنب الحيوانات المصابة ، فقد بينت الدراسة أن ابن عرس التي تعرض للمجموعة المصابة بفيروس H1N1 فقط هي التي أظهرت علامات المرض السريري، مما يشير إلى أن فيروس أنفلونزا البقر لا ينتقل بكفاءة عبر قطرات الجهاز التنفسي في ابن عرس.
عادة، لا ترتبط فيروسات أنفلونزا الطيور والبشر A بنفس المستقبلات الموجودة على أسطح الخلايا لبدء العدوى. ومع ذلك، وجد الباحثون أن فيروسات HPAI H5N1 البقرية يمكن أن ترتبط بكلا المستقبلات البشرية والطيرية، مما يزيد من احتمال أن يكون لدى الفيروس القدرة على الارتباط بالخلايا الموجودة في الجهاز التنفسي العلوي للإنسان.
بشكل عام، توضح الدراسة أن فيروسات H5N1 المعزولة حديثا" من الأبقار قد تختلف عن فيروسات HPAI H5N1 المنتشرة سابقًا في الطيور وبعض اللبائن من خلال امتلاكها لخصوصية التموضع في المستقبلات الخلوية للبشر أو للطيور مع أحتمالية أنتقال محدود للعدوى عبر الجهاز التنفسي في حيوان أبن عرس.
وما يهمنا في العراق اليوم ، أن نتقدم بتوصية للسلطات البيطرية في البلاد ونعني هنا بدائرة البيطرة الموقرة ، أن تجعل ضمن خططها الآنية مسح سيرولوجي في الأبقار المتواجدة في العراق وعلى طول خارطة الوطن للتحري الأولي عن مدى تواجد فايروس الأنفلونزا H5N1 في تلك الأبقار للوقوف على الواقع الميداني للأبقار في العراق .