مرة أخرى .. أنفلونزا الطيور و الآثار الخطيرة لاستخدام اللقاح الميت لفايروس H9N2 في الدواجن العراقية.

 

 

الأستاذ الدكتور صلاح مهدي حسن / خبير وأستشاري أمراض وأنتاج دواجن

 

بتاريخ 16 / 11 / 2024 نشرت مقالة علمية بعنوان ( انفلونزا الطيور في العراق .. بين الحقيقة والوهم ) والتي قامت بنشرها شبکة النهرين البيطرية ضمن موقعها الألكتروني وصفحة مجلتها الغراء ( نهرين البيطرية ) نوهت فيها الى أن فايروس أنفلونزا الطيور الخفيف الضراوة ( H9N2 AIV ) أشير له من قبل العاملين في صناعة الدواجن العراقية في كوردستان العراق أبان فترة التسعينيات ولم يكن موثق علميا" بالرغم من أن الحقول في تلك المنطقة عملت على استخدام اللقاح الميت وبعدها تم استخدامه في حقول الدواجن العراقية من خلال تهريب اللقاح من محافظات أقليم كوردستان والتي كانت خارج سيطرة الحكومة العراقية آنذاك . وبعد العام 2003 أصبح إستخدام اللقاح الميت للفايروس H9N2 شائعا" في البعض من حقول البياض والأمهات .

بعد أن ثبتت الأصابة بفايروس H5N1 في العام 2005 في العراق واطلاعنا على الحقائق العلمية بأن فايروس H5N1 هو نتيجة للبروتينات الجينية لفايروس H9N2 والذي ينتج من خلال تكاثره وتواجده في الحقل الميداني ، فأصبحت من الداعين الى التوقف عن أستخدام اللقاح وعمل دراسة ميدانية لتحديد تحت النوع الجيني المحدد بعد ورود معلومات علمية تؤكد بان هناك ما لايقل عن 13 فايروس محور من الفايروس H9N2 ، الا أني كنت أجابه من العديد من الأختصاصيين برفض الفكرة كون اللقاح ميت وليس به خطورة للبقاء في الحقل ؟؟ وعند أجابتي للرافضين بان اللقاح الميت ربما يكون خطرا" ويساهم في التحور مع تحت أنواع فايروسية أخرى من الأنفلونزا المتواجدة في البيئة العراقية وبالتالي أنتاج فايروسات محورة من H5N1 و H5N8 و H5N6 ، وأيضا" أقام علي البعض القيامة حول تفسيري هذا باني قد وصلت درجة الكفر بالعلم عندما نطقت بأن الفايروس المقتول مادته الوراثية تبقى فاعلة بالحقل.

من جهة أخرى، وأيضا" ذكرت في تلك المقالة بأني شخصيا" عملت على عزل وتشخيص فايروس H9N2 كحالة منفردة أو كحالة مترابطة مع أصابة فايروس النيوكاسل وذلك من خلال أرسال عينات مرضية لعدد 32 حقلا" للدواجن من كل من أربيل والسليمانية الى مختبر مرجعي في ويبرج / المملكة المتحدة بتاريخ 15 / 7 / 2008 ، علما" بان الحقول المفحوصة كانت تعاني من أصابات تنفسية حادة مصحوبة بهلاكات عالية بلغت ( 41.9 % ).

وبعد السماح الرسمي لأستخدام لقاح أنفلونزا الطيور H5N1 في العراق منذ العام 2021 ، فنوهت بتلك المقالة الى أن توطن هذين تحت النوعين ( H9N2 و H5N1 ) في الدواجن التجارية في العراق يزيد من أحتمالية أعادة التنظيم Reassortment مع تحت أنواع أخرى لفايروس أنفلونزا الطيور مما يزيد من خطر توالد فايروس وبائي خطير والذي بطبيعة الحال سيشكل خطرا كبيرا" على صناعة الدواجن والصحة العامة معا". وأعيد التذكير بماقلته سابقا" (في العام 1994 ذكرت التقارير العلمية بأن H9N2 قد تطور الى أكثر من 102 نوع جيني genotypes وعند أعادة تنظيم بروتيناتها مع H5N1 أنتجت أكثر من 13 نوع جيني من الفايروسات المحورة الجديدة ، وبالتالي يبدو أن هذه الظاهرة ربما تكون أعتيادية من حيث تواجد ذات تحت النوعين في نفس الأماكن من العراق. وأشارت التقارير العلمية بأن إعادة التنظيم لهذه الفايروسات قد يكون مباشر أو غير مباشر مما يلعب دور خطيرا في ولوج فايروسات وبائية قوية مما يعرض البشر العراقي الى مخاطر صحية، حيث ذكرت مصادر علمية بان أجزاء من جينات الفايروس H9N2 الداخلية ساهمت في ظهور العديد من فيروسات إنفلونزا الطيور التي تصيب البشر (على سبيل المثال، H5N6، H7N9).

وأود من القاريء الكريم والمهتم متابعة تلك المقالة لانها تحتوي على معلومات شاملة ودقيقة عن مخاطر توافر فايروسات أنفلونزا الطيور في البيئة العراقية و حقول الدواجن العراقية. ولذلك سأركز في هذه المقالة عن حالة فايروس H9N2 الخطيرة لكل من الدواجن والصحة العامة للبشر.

حاليا" يعتبر فايروس H9N2 AIV متوطنًا في الدواجن في ما لا يقل عن 60 دولة حول العالم، مع إستمرار إنتشاره في آسيا والشرق الأوسط وشمال/غرب إفريقيا، بينما يتم الإعلان عنه بشكل دوري أيضًا في الأمريكيتين وأوروبا. وعلى الرغم من أن فايروس H9N2 AIV يعتبر مسبب ضعيف للمرض في الدجاج، إلا أنه يسبب خسائر إقتصادية كبيرة بسبب إنخفاض الإنتاج والعدوى المشتركة والتي تزيد من ضراوته مسببة هلاكات عالية.

ومن الجدير بالذكر، أن فايروس H9N2 AIV له القابلية أيضًا على إصابة اللبائن، بما في ذلك الخنازير و الكلاب و القطط و الثعالب و حيوان البيكة pika و البشر. أن زيادة خاصية ارتباط المستقبلات البشرية وحصول الطفرات المتكيفة للبائن لفايروسات الأنفلونزا H9N2 ، تعمل على تسهيل قابلية الإصابة الفايروسية لدى البشر. أشارت الدراسات العلمية الى أن معدل الأمصال الإيجابية لفيروس H9N2 في البشر يتراوح بين 10% و37%، كما وقد أظهرت دراسات علمية أخرى أن السنوات الأخيرة شهدت زيادة كبيرة في عدد الحالات البشرية المصابة بفايروس H9N2. أشار تقرير لمنظمة الصحة العالمية في العام 2024 أن أكثر من 130 حالة إصابة بشرية بفايروس H9N2 AIV لغاية شهر تشرين ثاني 2024، بما في ذلك 84 حالة بعد العام 2020.

علاوة على ذلك، فقد ثبت أن فايروسات الأنفلونزا H9N2 تتداخل جيناتها الداخلية بجينات داخلية للعديد من فيروسات الأنفلونزا البشرية الناشئة، بما في ذلك H5N6، وH7N9، وH10N8، وH3N8، وH10N3، وH10N5. وبالتالي، فإن السيطرة على فيروسات أنفلونزا الطيور من تحت النوع H9N2 أمر مهم بالنسبة لصناعة الدواجن والصحة العامة على حد سواء.

أن الواقع الميداني لحقول الدواجن العراقية يشير الى أنه وبالرغم من أستخدام اللقاحات الميتة للسيطرة على فايروسات أنفلونزا الطيور في الدواجن و لفترات زمنية طويلة ، لاتزال فايروسات أنفلونزا الطيور لتحت النوع H9N2 منتشرة بالعراق عموما" وبغض النظر عن برنامج التلقيحات المكثف والذي طال تنفيذه حتى قطعان الفروج والذي طالما نصحنا وحذرنا من أستخدام اللقاح الميت في الفروج لعدم فائدته المناعية فضلا عن خطورته الحقلية.

نفس الحال تعاني منه الصين البلد الذي أتبع استراتيجية التلقيح باللقاحات الميتة للسيطرة على فايروسات الأنفلونزا في الدواجن ومنذ العام 1998 الا أن فايروس H9N2 لازال منتشرا" في الصين . والأدهى من ذلك يتم عزل فايروسات الأنفلونزا H9N2 التي تحتوي على اختلافات مستضدية قليلة أو معدومة عن سلالة الفايروس اللقاحي بشكل منتظم من الدجاج الملقح الحامل لمستويات عالية من الأجسام المضادة. مع الإشارة الى توافر تقارير علمية كثيرة ومن بلدان مختلفة أشارت وبفترات متكررة الى انخفاض فاعلية التلقيح ضد فيروسات H9N2 في الدواجن.

لم يكن من الواضح ماهية سبب الانتشار المستمر لفيروس H9N2 AIV في الدجاج الملقح باللقاح الميت وتأثير انتشاره المستمر في الدواجن الملقحة على تطور وتحور الفيروس.

بحثت دراسة حديثة نُشرت في مجلة npj Vaccines وهي من المجلات التابعة Nature Publishing Group بتاريخ 4 / 4 / 2025 تأثيرات لقاحات H9N2 الميتة على تكاثر الفايروس وانتقاله وتطوره الجيني وإمكانية التكيف بين الأنواع الأخرى، وذلك باستخدام نماذج انتقال الفيروس داخل الجسم الحي وأساليب التسلسل العميق. وعملت الدراسة أيضًا على تقييم استراتيجيات التلقيح البديلة القادرة على إحداث استجابات مناعية أوسع.

Impact of inactivated vaccine on transmission and evolution of H9N2 avian influenza virus in chickens. npj Vaccines, 10, 67 (2025)DOI https://doi.org/10.1038/s41541-025-01115-y

إن السيطرة على فيروسات إنفلونزا الطيور من النوع H9N2 في الدجاج أمر ضروري للتخفيف من تفشي الأمراض في الطيور وظهور فيروسات إنفلونزا الطيور الحيوانية الجديدة. ومع ذلك، فإن الاستخدام طويل الأمد للقاحات H9N2 الميت لم يقلل من انتشار فيروسات أنفلونزا الطيور H9N2 في الدجاج. على العكس من ذلك، يبدو أن تكاثر فيروس H9N2 قد زاد في الدجاج وأنواع عديدة من اللبائن.

في الدراسة الحالية، وجد أن استخدام لقاح H9N2 الميت لم يمنع أو يقلل من إفراز الفيروس، لكنه اختار سلالات فيروسية ذات قدرة متزايدة على التكاثر وإنتاج DIP محدد، مما سهل انتقال فيروسات AIVs H9N2 في الدجاج الملقح. ويثير انتقال فيروس H9N2 AIV في الدجاج الملقح مشكلة أخرى تتمثل في زيادة تنوع الجينات الفيروسية في الفيروس المنتشر، مما قد يؤدي إلى توليد المزيد من السلالات الجديدة. ومن ثم، يبدو ان هناك حاجة ماسة إلى مراجعة سياسات التلقيح ، إلى جانب إدخال تغييرات على الاستخدام الحالي للقاحات الفيروسية H9N2 الميت في الدواجن.

على الرغم من أن فيروسات الأنفلونزا AIVs من النوع H9N2 لا تظهر انجرافًا مستضديًا antigenic drift بشكل كبير مثل فيروسات الأنفلونزا AIVs من النوع H5 أو H7 في الحقل الميداني، فقد ثبت أن ظهور متغيرات H9N2 التي تنتمي إلى مجموعة مستضدية جديدة يقلل من فعالية اللقاحات الميت . الأهم في هذه الدراسة، وجد أن النمط الفرعي H9 AIV لديه قدرة أكبر على التكاثر في الجهاز التنفسي العلوي من النمط الفرعي H5 أو H7. الا أنه كانت مستويات الأجسام المضادة IgG في غسول الجهاز التنفسي العلوي lavage fluid تشكل نسبة ( 3.65 % ) فقط من تلك المستويات التي تم ملاحظتها في الدم الدوار عند الدجاج الملقح بلقاح H9N2 الميت. لذلك، فإن الاستجابة المناعية الخلطية التي يسببها اللقاح الميت في الجهاز التنفسي العلوي غير كافية لمعادلة فيروس H9N2، بمستوى تكاثره المرتفع، في هذا الموقع. وبالتالي قد يفسر هذا سبب استمرار إنتشار فيروس H9N2 في القطعان الملقحة.

وعلى النقيض من ذلك، فإن اللقاح الحي rHVT-H9، الذي يحفز أيضًا الأستجابة المناعية الخلوية، و اللقاح الحي المضعف H9N2-LAIV، و الذي يحفز كل من الاستجابة المناعية الخلوية والاستجابة المناعية المخاطية الموضعية في الجهاز التنفسي العلوي، كلاهما منعا بشكل فعال تكاثر فيروس H9N2 AIV في الدجاج. لقد ذكرت المصادر العلمية بأن ظاهرة مماثلة قد لوحظت أيضًا بالنسبة لفيروس SARS-CoV-2 (المسبب لمرض كوفيد-19). وعلى الرغم من فعالية اللقاحات في تقليل شدة ومعدل الوفيات الناجمة عن عدوى فيروس SARS-CoV-2، إلا أن هذه اللقاحات لا تمنع بشكل فاعل تكاثر الفيروس وانتقاله في الجهاز التنفسي العلوي. ومع ذلك، فإن لقاحات النواقل الحية، التي تثير مناعة خلوية قوية، واللقاحات التي تحفز مناعة الغشاء المخاطي الموضعي فعالة في منع تكاثر و/أو انتقال متغيرات متعددة من فيروس كورونا المستجد 2019 في الجهاز التنفسي. ولذلك، فإن اللقاحات الميتة لا تكفي للسيطرة الفاعلة على الفيروسات التي تتكاثر بكفاءة في الجهاز التنفسي العلوي.

تُظهر هذه الدراسة أن اللقاحات القادرة على تحفيز المناعة الخلوية و/أو المناعة المخاطية الموضعية في الجهاز التنفسي العلوي، مثل لقاح rHVT-H9 واللقاحات الحية المضعفة، تُظهر فاعلية وقائية كبيرة ضد عدوى H9N2 في الدجاج. لقد أثبت ذات الباحثين سابقًا أن لقاح rHVT-H9، الذي يمكن استخدامه في أجنة الدجاج بعمر 18 يوما من الحضن أو في الأفراخ الفاقسة حديثا"، لايتقاطع و بشكل فاعل مع الأجسام المضادة المكتسبة من الأمهات ومهما كانت معاييرها . علاوة على ذلك، فإن حقيقة أستخدام جرعة واحدة فقط مطلوبة لـ rHVT-H9 تسهل عملية التلقيح وتقلل التكاليف.

أن التحدي الرئيسي في تطوير لقاح HVT هو امكانية إدخال جينات غريبة متعددة دون التأثير على أمكانية تكاثر فايروس HVT ذاته. نظرًا لأن جينوم فيروس الإنفلونزا مجزأ، فإن الخطر المحتمل لإعادة التوزيع بين اللقاح الحي المضعف والفيروس الحقلي يظل مثيرًا للقلق. لذلك اقترحت دراسة سابقة من قبل الباحثين Chen,S. et al● (2020 ) استراتيجية لإعادة ترتيب الجين المستهدف لمنع إعادة تركيب أجزاء معينة من الحمض RNA. وعلى الرغم من عدم وجود لقاحات تجارية حاليًا تحفز المناعة الخلوية أو مناعة الغشاء المخاطي التنفسي العلوي ضد فيروس الإنفلونزا H9N2، فإن زيادة المعرفة بمخاطر أستخدام اللقاحات الميتة يمكن أن يسرع من تطوير وأستخدام مثل هذه اللقاحات. إن فهم تطور فيروسات الأنفلونزا H9N2 في الدجاج الملقح يمكن أن يلقي الضوء على الآليات التي تسيطر على تنوعها الجيني والبيولوجي، وبالتالي يوفر نظرة ثاقبة لتطوير لقاحات أو طرق مكافحة أكثر فاعلية .

إن فهمنا الحالي لتطور و تحور فيروسات الإنفلونزا يعتمد بشكل أساسي على دراسات السلالات المعزولة في الأندلاعات الوبائية. على الرغم من أهمية هذه الدراسات ، إلا أنها تتأثر بعدد من العوامل. ركزت الدراسات الحديثة على التنوع الفيروسي الموجود داخل الأفراد المصابين باستخدام تجارب الانتقال والتحليل الكمي للتفاعلات بين المضيف و العامل المسبب ، أو كيف يتوسط الأنتقال الضيق transmission bottlenecks في هيكيلية ومدى التنوع الجيني الفيروسي في المضيف المتلقي. مثل هذه الدراسات هي المفتاح لفهم كيفية تأثير السمات الفيروسية والمرتبطة بالمضيف على التنوع الجيني والخصائص البيولوجية للفايروس ، مثل مستضديته، وضراوته، ونطاق المضيف، والعواقب الوبائية للتطور الفايروسي داخل المضيف.

في الدراسة الحالية، تم تمرير فيروس H9N2 AIV عن طريق الاتصال في كل من الدجاج الملقح والدجاج غير الملقح. وجدت الدراسة أن الوقت بين أحداث الانتقال (التمرير التسلسلي) كان أطول في البداية في الدجاج الملقح مقارنة بتلك المعزولة من الدجاج غير الملقح ، ولكن بحلول التمرير الرابع P4، انخفض الوقت إلى ما هو موجود في الدجاج غير الملقح والمصاب. و من الجدير بالذكر أنه لم يتم الكشف عن الانجراف المستضدي في المستعمرات الفايروسية المأخوذة من الدجاج الملقح، الا أن نسبة الأنواع شبه النوعية quasispecies ذات القدرة المتزايدة على التكاثر كانت أعلى في هذا الدجاج الملقح مقارنة بالدجاج غير الملقح . أن من الشائع حقليا، أن تتغير مستضدية فيروسات الأنفلونزا لتحت النوع H5 أو H7 بشكل كبير من خلال طفرات الأحماض الأمينية الفردية، الا انه لم يتم اكتشاف ظاهرة مماثلة في فيروسات الأنفلونزا لتحت النوع H9N2.

تشير نتائج الدراسة إلى أن فيروسات الأنفلونزا H9N2 من الدجاج الملقح أظهر زيادة سريعة في التكاثر لعدم توافر الأجسام المضادة المعادلة ، على عكس فيروسات الأنفلونزا H5 وH7، التي تهرب من المناعة الناجمة عن اللقاح من خلال التحور المستضدي. أشارت نتائج تجارب التمرير التسلسلي لهذه الدراسة إلى أن التنوع الجيني في الجينومات الكاملة للفايروسات المعزولة من الدجاج الملقح كان أعلى بشكل ملحوظ من التنوع في المجموعة غير الملقحة. لقد أظهرت ابحاث سابقة عن دور لعملية glycosylation في تسهيل التهرب المناعي من قبل فيروسات الإنفلونزا، والذي يضاهي حال المطابقة للطفرات الوراثية والتي تسمح بالتهرب المناعي. و على الرغم من أن فيروسات الإنفلونزا تتجنب أساسا تثبيط التكاثر من خلال الأجسام المضادة بسبب الانجراف المستضدي الناجم عن الطفرات في بروتين HA، فإن هذه الطفرات قد تؤدي أيضًا إلى ظهور طفرات مرتبطة أو متآزرة مع مقاطع جينية أخرى. أظهرت الدراسات السابقة أن الضغط المناعي الناجم عن اللقاح يمكن أن يؤدي أيضًا إلى حدوث طفرات في مقاطع جينية أخرى أيضا.

وفي الدراسة الحالية، تم تحديد الطفرة المعززة وهي NS1-R140W منذ التمرير الأول P1 للفايروسات المعزولة من الدواجن الملقحة و بنسبة 35٪، والتي قد تم تثبيتها في الدجاج الملقح الأصلي بنسبة 99٪. وباستخدام الية الجين العكسية reverse genetic manipulation ، وجد أن الطفرة NS1-R140W عملت على زيادة كبيرة في قدرة الفيروس على التكاثر. كما وتم ملاحظة تواجد للطفرات المشتركة في الجينات NP ( (M1-V219I وM ( NP-N417D)، مما يشير إلى أن هذه المواقع تخضع للاختيار الإيجابي في هذا النظام. عملت هذه المجموعة المتغيرة للتثبيت السريع بعد انتقالها عبر الدجاج ، وعملت على حصول زيادة كبيرة في تكاثر الفيروس وقابليته للانتقال في الدجاج. وبالتالي ساهمت هذه النتائج في توسيع الفهم باليات تكيف الفايروس لدى المضائف الملقحة.

تهتم الأبحاث المتخصصة بالفايروسات على إنتاج سلالة فيروسية معدية من الفايروس الأصلي، والتي تمثل باثرها المصدر الأولي لأمراضية ومرضية الفايروس أن غالبية جزيئات نسل فايروس الإنفلونزا تكون غير معدية، لكون الجسيمات المتداخلة المعيبة DIPs تمتلك حذفًا داخليًا كبيرًا في المقطع الجيني الواحد على الأقل من الجينوم الفايروسي وبالتالي تعمل على أعاقة التكاثر الفيروسي، فضلا عن تداخلها مع تكاثر الفايروسات . في هذه الدراسة ،وجد بأن تنوع جسيمات DIPs في الفايروسات المعزولة من المجموعة الملقحة باللقاح الميت أقل من تلك المعزولة من الدجاج غير الملقح، مما يشير إلى أن فايروس H9N2 يقيد ظهور DIPs لتسهيل تكاثر الفيروس تحت الضغط المناعي الناجم عن التلقيح باللقاح الميت . ولكون إن الظاهرة التي تعزز فيها الفيروسات تكاثرها عن طريق تغيير إنتاج DIP في مضائف ملقحة لم تتم الأشارة اليها في دراسات علمية سابقة ، ولذلك، أن نتائج هذه الدراسة توفر رؤى جديدة في التطور التكيفي لفيروسات الإنفلونزا تحت الضغط المناعي الناجم عن اللقاح.

كما تشير الدراسة الى أن مزيج من ثلاث طفرات مستقرة (NP-N417D، M1-V219I، و NS1-R140W) تم تثبيته في الدجاج الملقح، مما أدى إلى زيادة تكاثر فيروسات الأنفلونزا H9N2. وعلى الرغم من أن المعوقات الجينية القوية عادة ما تؤدي إلى انخفاض التطابق.

في هذه الدراسة، وجد أن التنوع الجيني لفيروس H9N2 في المجموعة الملقحة كان أعلى من المجموعة غير الملقحة، كما لوحظ وجود طفرات جينية تكيفية للبائن أكثر، تم ذكرها في دراسات علمية سابقة ، من ضمن تلك الفيروسات في المجموعة الملقحة. وفي الوقت نفسه، كان هناك عدد كبير من الفايروسات أحادية النسيلة في الدجاج الملقح، والتي أظهرت قدرة متزايدة على التكاثر وأحداث المرض في الفئران. تشير هذه النتائج إلى أنه عندما تفشل اللقاحات في منع طرح الفيروس وانتقاله تمامًا ، فإن سلالات الفيروسات المتحورة قد تشكل خطرًا محتملاً للانتقال بين الأنواع. مع الأشارة ، إلى أن حجم معظم الطفرات المتكيفة لدى اللبائن في هذه الدراسة شكلت نسبة أقل من 10% ، وبالتالي يجب التحقق من صحة دور هذه الطفرات في التكيف لدى اللبائن بشكل أكبر مستقبلا". فضلا عن ، لا يزال من غير المؤكد علميا ما إذا كان التكيف الفيروسي في الفئران يعكس بشكل كامل الوضع في البشر.

ومن الجدير بالذكر أن الاستخدام طويل الأمد والواسع النطاق للقاحات الميتة في الصين وكما ذكر سابقا" فشل في السيطرة على فيروس H9N2، حتى أن فيروس H9N2 أصبح النوع الفرعي السائد في الدواجن، إلى جانب زيادة عدد حالات الإصابة البشرية بفيروس H9N2. فضلا عن ذلك، تم ملاحظة زيادة في قدرة اللبائن على التكيف مع السلالات الحديثة. وبالتالي يكون من الضروري الاهتمام بما إذا كان فشل التحصين باللقاح ضد فيروس H9N2 AIV قد يزيد من التهديد الفيروسي للصحة العامة ؟؟.

ومما يعنينا نحن في صناعة الدواجن العراقية ومن خلال هذه الدراسة التي أظهرت التجمعات الفيروسية المعزولة من الدجاج الملقح تنوعًا وراثيًا أكبر وتراكمًا للطفرات التي أدت إلى زيادة قابليتها المرضية ، وهذا ما يعاني منه الحقل العراقي بصورة مستمرة نظرًا لأن لقاح H9N2 الميت المستخدم حاليًا غير فعال، وفي مواجهة الزيادة المستمرة في قدرة التكاثر والتنوع المستضدي المحتمل لفيروسات أنفلونزا الطيور H9N2 في الدجاج، فإن سياسة التلقيح الحالية المتبعة في العراق للسيطرة على فيروس H9N2 تتطلب مراجعة عاجلة من قبل السلطات البيطرية والجهات العلمية . ويكون من الضرورة بمكان على التفكير في أستخدام لقاحات ضد فيروس H9N2 AIV التي تحفز المناعة الخلوية و/أو المناعة المخاطية الموضعية في مجرى الهواء التنفسي العلوي، لكونه أقل خطورة وأكثر فاعلية من اللقاح الميت المستخدم حاليا" . وأخيرا" لابد من التأكيد على أن تطوير لقاحات rHVT متعددة القوى وتحسين سلامة اللقاحات الحية المضعفة ، يمثل اتجاهات رئيسية لأبحاث اللقاحات المستقبلية.

 

Reference

  • Chen,S.et al. A live attenuated H9N2 avian influenza vaccine prevents the viral reassortment by exchanging the HA and NS1 packaging signals. Front.Microbiol. 11, 613437 (2020).

 

اترك تعليقا

قد يعجبك ايضا