الهروب المناعي وخطر الانتقال الحيواني للبشري في المسار التطوري لفيروس إنفلونزا الطيور H5N1: نتائج دراسة من جامعة نورث كارولاينا في شارلوت

 

 

د. ماجد حمید الصایغ / اختصاص امراض الدواجن / استرالیا

 

أظهرت النمذجة الحاسوبية لتفاعلات البروتينات المناعية مع متحورات فيروس إنفلونزا الطيور H5N1 أن الفيروس بدأ يتطور بطريقة قد تُمكّنه قريبًا من الإفلات من الاستجابات المناعية البشرية الناتجة عن العدوى السابقة أو اللقاحات.

 

وقد قدم فريق بحثي من جامعة نورث كارولاينا في شارلوت (UNC Charlotte) أدلة واضحة على أن هذه التغيرات التطورية تمثل تهديدًا مستمرًا ومتزايدًا للزراعة العالمية، مما يستدعي تنبيهًا عاجلًا بشأن المخاطر الصحية على البشر.

 

قال الدكتور كولبي تي. فورد، الباحث الزائر في علم البيانات في مركز الذكاء الحاسوبي للتنبؤ بالمخاطر الصحية والبيئية (CIPHER): "إن التراجع العام في قوة ارتباط الأجسام المضادة بعزلات H5N1 الحديثة يشير إلى أن السلالات الحالية والمستقبلية من الفيروس تمثل خطرًا متزايدًا على صحة الإنسان" (Ford et al., 2024).

 

وقد يؤدي هذا التراجع في فاعلية الأجسام المضادة إلى زيادة قابلية البشر للإصابة، لا سيما مع سرعة تطور الفيروس. وأضاف فورد: "إذا تم تصنيع لقاح ضد H5N1 باستخدام فيروس لقاح قديم، فإن فعالية اللقاح ستكون أقل، بناءً على قياساتنا لمدى تطور الفيروس في السنوات الأخيرة" (Ford et al., 2024).

 

نُشرت نتائج الدراسة في يوليو 2024 كنسخة أولية (preprint) نظرًا لأهميتها الصحية العاجلة، تحت عنوان: "النمذجة الحاسوبية واسعة النطاق لمتحورات H5 ضد الأجسام المضادة المحايدة للنطاق HA1"، حيث تم تحليل 1804 تفاعلًا بين بروتينات فيروسية وأجسام مضادة.

 

استخدم الباحثون نماذج فيزيائية حاسوبية لمحاكاة ارتباط بروتينات HA1 من عزلات H5 المختلفة مع الأجسام المضادة المستخلصة من مصابين أو مطعمين بين عامي 1996 و2018.

 

وأظهرت النتائج اتجاهًا واضحًا نحو انخفاض تدريجي في قوة الارتباط بين الأجسام المضادة والعزلات الفيروسية الحديثة، ما يشير إلى احتمال حدوث هروب مناعي نتيجة تطور طفرات تقلل من فعالية الأجسام المضادة، وخاصة تلك التي تستهدف النطاق HA1 (UNC Charlotte, 2024).

 

كما أشارت الدراسة إلى أهمية الانتقال المتزايد بين الأنواع. وجاء في التقرير: "إن الانتقال المستمر لـ H5N1 من الطيور إلى الثدييات وزيادة السلالات التي تحتوي على بروتين هيماغلوتينين (HAx) المراوغ للمناعة في الثدييات التي تم أخذ عينات منها بمرور الوقت، يشير إلى أن الانجراف المستضدي يمثل مصدرًا كبيرًا لخطر العدوى الحيوانية المنشأ".

 

وجاءت الدراسة بعد وقت قصير من أول حالة مؤكدة لانتقال H5N1 من الأبقار إلى البشر في ولاية تكساس في عام 2024. ومنذ ذلك الحين، أُبلغ عن إصابات بالفيروس في الأبقار في 17 ولاية أمريكية على الأقل، إلى جانب تفشيه الواسع في الطيور البرية والدواجن والثدييات الصغيرة (CDC, 2025).

 

بين يناير 2022 ومارس 2025، أفادت مراكز السيطرة على الأمراض (CDC) بما يلي: 12,510 تفشٍ معروف في الطيور البرية في الولايات المتحدة. إصابة أكثر من 166 مليون طائر دواجن. 70 حالة إصابة بشرية مؤكدة، من بينها حالة وفاة واحدة.

 

وعلى الرغم من عدم تسجيل أي انتقال من إنسان إلى آخر حتى الآن، إلا أن استمرار تكيف الفيروس مع الثدييات يثير القلق. وذكرت مجلة Science في ديسمبر 2024 أن الفيروس لا يزال في صدارة قائمة العوامل المحتملة المسببة لجائحة جديدة (Science, 2024).

 

قاد الفريق البحثي الدكتور ريتشارد ألين وايت الثالث والدكتور دانيال جانيز، وشارك فيه طلاب وباحثون من جامعة UNC Charlotte، بالتعاون مع باحثين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) من بينهم الدكتور رافائيل جايمس الثالث والدكتور فيليب توميزيكو.

 

وقد استخدم الفريق تقنيات متقدمة من الذكاء الاصطناعي في طي البروتينات، إلى جانب المحاكاة الفيزيائية لتفاعلات الأجسام المضادة مع البروتينات الفيروسية، مما مكنهم من تقديم نتائج موثوقة وسريعة لتوجيه صانعي السياسات في ما يخص الاستعداد لمواجهة الجوائح.

 

وخلص الباحثون إلى أن: "الاتجاه المتفاقم في ضعف ارتباط الأجسام المضادة يعد مصدر قلق حقيقي"، محذرين من أن "سلالات H5 تمتلك القدرة على الانتقال من حالة الوباء إلى الجائحة في المستقبل القريب".

 

وفي تطور آخر في المملكة المتحدة، تم تسجيل أول حالة إصابة بفيروس H5N1 في خروف بمقاطعة يوركشاير، وذلك أثناء فحوصات روتينية وقائية في مزرعة سبق اكتشاف الفيروس فيها بين الطيور. وقد تم إعدام الحيوان المصاب ولم تُسجل أي إصابات إضافية، مع تأكيد السلطات البريطانية أن الخطر على الصحة العامة لا يزال منخفضًا، وتم تشديد الإجراءات البيولوجية للوقاية من انتقال العدوى.

 

تُعتبر إنفلونزا الطيور بالفعل جائحة في عالم الحيوانات البرية والمستأنسة بسبب انتشار الفيروس عبر أنواع متعددة من الكائنات ومنطقة جغرافية واسعة. ومع استمرار انتقاله من الطيور إلى الدواجن والأبقار والآن إلى العمال الزراعيين، يتضح مدى قدرة الفيروس على تجاوز الحواجز بين الأنواع.

 

تشير نتائج النمذجة الحاسوبية للفريق البحثي إلى أن "هذا الاتجاه المقلق يشكل مصدرًا حقيقيًا للخطر على الصحة البشرية"، مؤكدين أن الحوسبة المتقدمة أصبحت أداة حيوية لدعم جهود التنبؤ بالجوائح وتعزيز الاستعدادات العالمية.

 

المصادر

  • Ford, C. T., White, R. A., Janies, D., et al. (2024). Large-scale Computational Modelling of H5 Influenza Variants against HA1-Neutralising Antibodies. UNC Charlotte, CIPHER [Preprint].
  • Centers for Disease Control and Prevention (CDC). (2025). Avian Influenza Outbreaks in the United States, 2022–2025. Available online: https://www.cdc.gov/flu/avianflu/
  • Science Magazine. (December 2024). H5N1: Still a Leading Pandemic Threat. Available online: https://www.science.org/

اترك تعليقا

قد يعجبك ايضا