الإجهاد الحراري في مزارع الدواجن العراقية: رؤية تطبيقية ميدانية مدعّمة بالمصادر الدولية

د. ماجد حمید الصایغ / اختصاص امراض الدواجن / استرالیا

 

هذا التقرير يمثل خلاصة سنوات من الخبرة العملية والدراسة المتعمقة، ويهدف إلى تقديم حلول واقعية مدعومة بأدلة ميدانية لتطوير قطاع الدواجن في العراق.

مقدمة
الإجهاد الحراري يعد من أبرز التحديات التي تواجه إنتاج الدواجن في العراق، خصوصًا في ظل ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف إلى ما يفوق 50 درجة مئوية في بعض المناطق. هذا الارتفاع يؤثر بشكل مباشر على الأداء الإنتاجي، الصحة المناعية، كفاءة التحصين، ويؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة. بناءً على الخبرة الميدانية في التعامل مع هذه الظروف، إلى جانب مراجعة الأدبيات العلمية الحديثة، تم إعداد هذا التقرير لتقديم حلول عملية مدعومة بأمثلة عالمية.

استجابات الطيور للحرارة المرتفعة
الطيور تفتقر إلى آلية التعرق وتعتمد على اللهاث كوسيلة رئيسية لتقليل درجة حرارة الجسم. في ظروف الحرارة الشديدة، تزداد وتيرة اللهاث وتقل الحركة ويقل الإقبال على العلف، حيث يلاحظ انخفاض في استهلاك العلف بنسبة تصل إلى 30%. كما يساهم القلاء التنفسي الناتج عن اللهاث المفرط في حدوث اختلالات في توازن الحموضة والكهارل، مما يضعف المناعة.

حلول التبريد البيئية
استخدام أساليب تبريد بسيطة وفعالة يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا. ألواح التبريد التبخيري المستخدمة في عدد من المزارع في الإمارات والهند خفضت درجات الحرارة داخل الحظائر بنحو ثماني درجات مئوية. كما أن اعتماد أسقف من سعف النخيل، أو تركيب ستائر خيشية مرطبة، أثبت فعاليته في خفض درجات الحرارة في مزارع جنوب العراق. الطلاء الأبيض لأسطح الحظائر ساعد كذلك على تقليل امتصاص الحرارة الشمسية.

إدارة التغذية خلال موجات الحر
تعديل جداول التغذية ليشمل تقديم العلف الغني بالبروتين في ساعات الصباح والطاقة في المساء ساعد على تحسين معامل التحويل الغذائي. إدخال مكملات الكهارل وفيتامين C ساعد على تقليل آثار الإجهاد الحراري، في حين أن استخدام الكروميوم العضوي مع بيتا-جلوكان عزز مقاومة الطيور للأمراض في التجارب الميدانية.

إدارة المياه وتعقيم الخطوط
توفير مياه باردة ونظيفة عنصر أساسي في تقليل الإجهاد الحراري. تغطية خزانات المياه واستخدام أدوات عزل حراري ساعد على الحفاظ على درجات حرارة منخفضة نسبيًا. تنظيف خطوط الشرب أسبوعيًا باستخدام بيروكسيد الهيدروجين أو حمض الأسيتيك أدى إلى تقليل الإصابات البكتيرية في عدد من المزارع في وسط وجنوب العراق.

التحصين خلال درجات الحرارة العالية
من المهم جدولة التحصينات في ساعات الصباح الباكر، مع ضمان بقاء اللقاحات ضمن سلسلة التبريد طوال مراحل النقل والاستخدام. تقديم مضادات الإجهاد مثل فيتامين C ومحفزات مناعية طبيعية قبل التحصين يحسن من الاستجابة المناعية ويقلل من المضاعفات.

الأمن الحيوي والوقاية من الأمراض
الحد من دخول الزوار، توفير ملابس وأحذية خاصة للعاملين، وإنشاء ممرات تعقيم عند مداخل الحظائر من الإجراءات الضرورية. تطبيق نظام "الكل داخل/الكل خارج" ساهم في تقليل معدلات الإصابة بالأمراض التنفسية حسب ما وثقته تجارب في كينيا والبرازيل. كما أثبت ثاني أكسيد الكلور فعاليته في تعقيم الأرضيات وخطوط المياه.

التحكم في الأمونيا وإدارة الفرشة
ارتفاع نسبة الأمونيا في الحظائر يؤدي إلى تهيج الأغشية المخاطية ومضاعفات تنفسية. استخدام مربطات الأمونيا في العلف مثل BioCURB ساعد على تقليل التركيزات وتحسين جودة البيئة داخل الحظيرة. تقليب الفرشة بشكل دوري واستخدام نشارة عالية الامتصاص أساسيان للحفاظ على النظافة وتقليل الانبعاثات.

التقنيات الحديثة في التنبؤ بالإجهاد الحراري
اعتماد أنظمة ذكية تربط بين بيانات الطقس ومؤشرات الحظيرة الداخلية يمكن أن يساعد في اتخاذ قرارات استباقية. تجارب في الهند وتايلاند استخدمت نماذج تنبؤ ساعدت المربين في تفعيل إجراءات وقائية قبل موجات الحر. في العراق، يمكن تطوير تطبيق بسيط مرتبط بمحطات الأرصاد الجوية لإرسال تنبيهات للمربين.

الاستنتاج
الإجهاد الحراري لم يعد ظاهرة موسمية بل تحدٍ دائم يستدعي إجراءات مستمرة على مدار العام. من خلال تبني استراتيجيات تبريد فعالة، تغذية مخصصة، إدارة مياه مدروسة، تحصينات محكمة، وتطبيق قواعد الأمن الحيوي، يمكن تحقيق إنتاج مستقر حتى في ظل الظروف المناخية الصعبة. الربط بين الخبرة الميدانية والدراسات العلمية هو الأساس لبناء برامج إدارية ناجحة قابلة للتطبيق على أرض الواقع في المزارع العراقية.

اترك تعليقا

قد يعجبك ايضا