ملاحظات حقلية على مرض الميرك في حقول الدواجن
الأستاذ الدكتور صلاح مهدي حسن / أستشاري وخبير صحة وأنتاج دواجن
منذ أيام قليلة أطلعت على مقطع فديوي لسيمنار حول صناعة الدواجن و ذكر السيد المتحدث في محاضرة عن مرض ميرك بوجود حالة تحت السريرية ( subclinical ) لمرض ميرك ؟؟؟ وطبعا" هذا الكلام غير دقيق و لا يمكن أن تطلق على مرض ميرك ولسبب بسيط جدا" يتمحور بأن مرض ميرك هو من الأمراض التي تتصف بأن العامل المسبب، وهو فايروس الهيربس المرتبط بالخلية ( cell-associated herpis virus ) بأحداث الحالة الكامنة ( latent phase ) والتي تعتبر أحد أهم مراحل أمراضيته ( pathogenesis ) والتي تستغرق لفترات طويلة قد تكون أسابيع أو أشهر لحين ظهور العلامات السريرية على الطير المصاب.
لذلك أحببت أن أبين للزملاء الأطباء البيطريين العاملين في ميدان صناعة الدواجن أهم الأمور التي تخص هذا المرض من ناحية العمل الميداني الحقلي، وسوف أسطرها بشكل نقاط لتسهيل الفهم والمتابعة.
- مرض الميرك هو من الأمراض الفايروسية الضارية والمصاحبة لحدوث الورم اللمفاوي ( Lymphoma ) وبالتالي يعتبر من الأمراض السرطانية معروفة المسبب الفايروسي. والمرض يصيب الأفراخ منذ الساعات الأولى بعد الفقس، الا أن علاماته السريرية و آفاته المرضية لا تظهر الا بعد الأسبوع الثامن من عمر الطيور، و بالتالي فهذا يعني أن أهميته المرضية لا تكون ذات معنى في حقول فروج اللحم ! التي تشهد سرعة في النمو وعمر الفروج المسوق ( ٥ – ٦ أسابيع )، وعليه فهو يثير الاهتمام في حقول أمهات بيض التفقيس وحقول دجاج بيض المائدة.
- المرض أعلن عنه منذ العام 1907 وتم عزل الفايروس المسبب بنجاح العام 1967 وهو فايروس الهيربس المرتبط بالخلية . وهذه نقطة مهمة في تحديد هوية الفايروس لأن هناك مرض آخر في الدواجن وهو مرض القصبات الهوائية المعدي ( ILT ) أيضا" يسببه فايروس الهيربس الذي يكون فايروس حر غير مرتبط بالخلية.
- هناك 3 أنماط مصلية ( serotypes ) من فايروس مرض ميرك تم تحديدها Aأ- النمط المصلي الأول ، وهو فايروس مرض ميرك المسبب للسرطان ( oncogenic ) ومن أمثلته العترة اللقاحية CVI988 والمسماة ( Rispens ). Bب- النمط المصلي الثاني، ومن أمثلته العترة اللقاحية SB-1 Cت- النمط المصلي الثالث، ومن أمثلته العترة اللقاحية المعزولة من الرومي HVT . مع الإشارة بأن ضراوة المرض وقابليته السرطانية في الدجاج تتركز فقط في فايروسات النمط المصلي الأول ، أما بالنسبة للأنماط الأخرى فلم تحدد قابليتهم المرضية في الدجاج.
- وبالرغم من أمكانية تحديد هذه الأنماط المصلية بواسطة الأختبارات المصلية، الا أن الأنماط المصلية الثلاثة تتصف بامتلاكها للعديد من المحددات المستضدية المشتركة مما يوحي بأن هذه المحددات قد تتداخل في أحداث الأستجابة المناعية في الأفراخ المحصنة بلقاحات الميرك ، وهذه الخاصية هي التي تتبع في العديد من الدول بأستخدام اللقاح الثلاثي.
- الفايروس المسبب لمرض ميرك هو فايروس قوي الأرتباط بالخلية، وأن الفايروس الحر للمرض ينتج فقط عن ظهارة بصيلات الريش للطير المصاب والتي تكون المصدر الرئيسي للأصابة وأستمرارها مع الأشارة أن أحدى العلامات الميدانية في القطعان المصابة هو تواجد كميات كبيرة من الريش على الفرشة. ( ولذلك كانت عملية شطف القاعات تربیة الدواجن بالماء بعد أنتهاء وجبة القطيع ورفع الفرشة أهم عملية للقضاء على فايروس الميرك لكونه يملك مايطلق عليه رهاب الماء ( Hydrophobia ) والذي يؤدي الى قتله ).
- أن فايروس الميرك السرطاني الحر يصيب الأفراخ طبيعيا"عن طريق المجرى التنفسي ، والذي سرعان ما ينتقل للتموضع في الأعضاء اللمفية بواسطة الخلايا البلعمية. وفي الأعضاء اللمفية سرعان ما يعمل الفايروس المسبب في باديء الأمر على أحداث تدمير في الخلايا اللمفية نوع B ، والتي تكون هي السبب لحالة التثبيط المناعي في الأستجابة المناعية الخلطية ( Humoral immunity ) للأفراخ المصابة . ( طبعا" لابد من جعل هذه الحالة بالحسبان عند البحث في الأسباب الموجبة لحالات التثبيط المناعي في فروج اللحم).
- بعد حدوث الصفحة الأولى من التدمير الخلوي، يبدء فايروس مرض ميرك بأنشاء الأصابة الكامنة ( latent infection ) للخلايا اللمفية والتي تكون في هذه الحالة معظمها خلايا نوع T ، حيث تكون هذه الخلايا فاعلة نتيجة إستجابتها لخلايا B المصابة و المدمرة. ( أشارت بعض المصادر العلمية الى أن خلايا شوان Schwann cells والخلايا النجمية satellite cells في الحبل الشوكي للأفراخ المصابة أيضا" تكونان هدفا" للفايروس المسبب في حالة الأصابة الكامنة ).
- وخلال صفحة الأصابة الكامنة للمرض يبدء الفايروس بأحداث حالة التثبيط للأستجابة المناعية الخلوية ( Cellular Immunity ) ، والتي تكون مهمة جدا" لتطور حدوث الورم اللمفاوي ( Lymphoma ). أن تسريع حالة الموت المبرمج ( Apoptosis ) للخلايا اللمفية نوع T والمحدثة من قبل فايروس مرض ميرك هي السبب الأساس لحالة التثبيط المناعي المتسبب عن الفايروس . وكذلك يمكن لحالة التحور ( modulation ) لمستوى التعبير في الجزيئات الفاعلة للخلايا اللمفية T أن يكون لها دور مهم في حالة التثبيط المناعي الخلوي للأفراخ المصابة بفايروس مرض ميرك. ( من أهم الدلائل على احتمالية أصابه قطعان امهات فروج اللحم أو البياض بفايروس الميرك في الأسابيع الأولى من العمر ( 3-4 أسبوع ) هو أصابه تلك القطعان بمرض الكوكسيديا وذلك لكون الكوكسيديا تعتمد أساسا" على الاستجابة المناعية الخلوية وبالتالي لابد من الحذر عند حصول الكوكسيديا في تلك القطعان . ( وهذا ما لاحظناه حقليا" في الأندلاعات المرضية لفايروس الميرك في العام 1999-2000 أثناء ما يعرف ببرنامج النفط مقابل الغذاء والدواء والذي أنبثق عنه البرنامج الوطني لتربية الدواجن ).
- لابد من الإشارة بأن صفحة الإصابة الكامنة للمرض تحدث فيها الإصابة التدميرية الثانوية لظهارة بصيلات الريش ، والتي بأثرها يتساقط الريش ويطرح الفايروس الحر من الطير المصاب باستمرار وطيلة حياة الطائر. ( وهنا أعيد الكلام حول من العلامات الحقلية للقطعان المصابة بالميرك هو التواجد الكثيف للريش على الفرشة ).
- وبالتتابع ، سوف ينمو السرطان اللمفاوي في العديد من الأعضاء الجسمية ، مثل : الأعصاب و العضلات والجلد للدجاج المصاب وبعمر قصير قد يكون 3 أسابيع بعد الإصابة.
- ولأني لا أود أشغال الزملاء بتفاصيل دقيقة لمرضية الميرك الا أني أود أن اشير الى أن التحليل الشكلي للخطوط الخلوية للأرومة اللمفاوية المصابة بفايروس ميرك ، حيث بينت الآفات اللمفية بأن الفايروس يصيب بصورة أساسية كل من الخلايا اللمفية الآتية: CD3+ و CD4+ و CD8- في داخل جسم الطائر.
- ولأن فايروس مرض ميرك هو مرتبط بالخلية فلم تكن محاولات تحضير اللقاح سهلة كما هو الحال في فايروسات الأمراض الأخرى كالنيوكاسل والكمبورو، الا أنه في أوائل سبعينيات القرن الماضي تبين للباحثين بأن التلقيح المبكر بعد الفقس مباشرة بلقاح حي وبعترة غير ممرضة عملت على منع السرطان اللمفاوي ، وبالتالي أصبح استخدام اللقاح هو من أهم طرق الوقاية الناجحة في الحد من مرض الميرك. ولذلك فأن الأنماط الفايروسية الثلاثة اليوم تستخدم كلقاحات حية للمرض.
- أن اللقاحات للأنماط المصلية الثلاث جميعها يعمل على أحداث الاستجابة المناعية الخلطية والخلوية في الطير الملقح، وبالتالي يكون بالأمكان الكشف عن الأجسام المناعية المعادلة ( neutralizing antibodies ) خلال 1-2 أسبوع بعد التحصين وقد تستمر طيلة عمر الطائر. كما وأن دور الحصانة الفاعلة التي تبديها المناعة المكتسبة من الأمهات قد تم الكشف عنها في الأفراخ الفاقسة. ( وهنا لابد من الأشارة بعدم وجود تفاعل تصالبي بين المناعة المكتسبة والمناعة الفاعلة التي تنتج عن أستخدام اللقاح الحي في المفقس ).
- أن واجب الأجسام المضادة هو لتخفيض وليس أيقاف مستوى العدوى للمرض وذلك من خلال اعاقة أنتشاره. أن من أهم خصائص لقاحات مرض ميرك الملفتة للنظر هو قابليتها على منع تكوين الآفات السرطانية وبدون حماية للأفراخ من الأصابة بعدوى مرض ميرك. ولذلك يبدو من المقبول جليا" بأن تأثير لقاحات مرض ميرك يكون من خلال تأثيراتها المضادة للسرطان أكثر من كونها تأثيرات مضادة للفايروس. وبالتالي فأن الحال هذا يشير الى دور كبير للمناعة الخلوية التي توفرها لقاحات مرض ميرك مقارنة بدور المناعة الخلطية للحد من خطورة مرض ميرك.
- سبق وأن أشرت الى أن الأنماط المصلية الثلاث حاليا" تستخدم كلقاحات حية للمرض، الا أنه لابد من التذكير بأن ليس جميع تلك الأنماط يمكن لها أن توفر حماية 100 % للأفراخ المحصنة وبالتالي كان هناك البعض من حالات أخفاق لعمليات التلقيح . وكلقاح منفرد يمكن القول بان اللقاح الحي المضعف للنمط المصلي I والمعروف عالميا" CVI988 والذي يطلق عليه أيضا" ( Rispens ) هو أكثر اللقاحات الفعالة للميرك مقارنة بلقاحي النمطين المصليين II ( SB-1) و III ( HVT) . وعليه فأن التحصين بأستخدام لقاحين ( Bivalent ) أو أستخدام 3 لقاحات ( Trivalent ) يبدو أنه يزيد من القابلية التحصينية ضد مرض الميرك مقارنة بأستخدام التحصين بلقاح واحد . ولذلك فأن هذه الملاحظات تؤكد بصورة واضحة بان القابلية التحصينية لعتر الأنماط المصلية الثلاث والمضادة لنشوء الأورام ( antitumor ) يبدو أنها تختلف بين نمط مصلي وآخر. وأنا بحكم خبرتي الميدانية والتي أدعي بأنها طويلة نوعا ما أوصي بأستخدام الثلاثي في أفراخ أمهات فروج اللحم وأفراخ الدجاج البياض لأنها تعطي حماية أكيدة أذا تم ضبط عملية التلقيح.
من أهم التوصيات الواجب ذكرها الا وهو لابد من بقاء الأفراخ الملقحة بلقاح الميرك في المفقس لفترة زمنية مقبولة لا تقل عن 3-4 ساعات وذلك لعمل أستقرار للفايروس اللقاحي في جسم الفرخ وذلك لتفادي تداخل الفايروس الحقلي مع عمل الفايروس اللقاحي عند أخراج الأفراخ من المفقس لأنها بالفعل لعبة الكراسي والتي لابد من نجاح الفايروس اللقاحي بولوج مكانه الصحيح لمنع الفايروس الحقلي من فعله المدمر. وبالتالي لابد من الإشارة بان لامعنى من مقولة أعادة التلقيح بالميرك في الحقل لجعل مناعة الطيور عالية لأنها لاتستند الى حقيقة علمية صحيحة حول طبيعة فايروس الميرك الحقلي .
كما وأود في نهاية المطاف بأن جميع حالات الأندلاعات المرضية للميرك في حقول الأمهات والبياض تكون ناتجة عن أخفاق عملية التحصين ( vaccinal breaks ) وهذا موضوع كبير أتناوله في وقت قادم بأذنه تعالى لأنه مهم جدا" جدا".
في العرف السائد في صناعة الدواجن العراقية بأن قطعان فروج اللحم لا تحصن ضد الميرك للأسباب التي ذكرتها سابقا" ، الا أن واقع الهجن التجارية لفروج اللحم الحالية ومنها الهجين التجاري روز 308 وسرعة نموها وأدائها الإنتاجي العالي، والتقدم الكبير في أنتاج لقاحات بيطرية متطورة وخصوصا للدواجن ومنها لقاحات مرضي النيوكاسل والكمبورو المهمين جدا" في فروج اللحم ومنها اللقاحات التي تدعى باللقاحات المؤتلفة ( recombinant vaccines ) وهو لقاح مؤلف من فايروس HVT للميرك وهو الفايروس الحامل والمدمج به بروتين ( F ) من فايروس النيوكاسل ، وكذلك هناك لقاح مماثل للكمبورو والمدمج به البروتين VP2 . وبالتالي فأن أستخدام هكذا لقاحات في فروج اللحم سوف تكون له أهمية كبيرة لدرء خطر المرضين المذكورين فضلا عن أهمية أكبر الا وهي المساهمة في السيطرة على مرض الميرك في العراق من خلال ترويض الفايروس الحقلي وقتله خارج الجسم.