استراتيجيات تشخيص فيروس حمى القرم–الكونغو النزفية (CCHF) في البشر والحيوانات والقراد مع التركيز على السلامة الحيوية ومخاطر جمع العينات
د. ماجد حمید الصایغ / اختصاص امراض الدواجن / استرالیا
مقدمة
حمى القرم–الكونغو النزفية (CCHF) هي واحدة من أكثر الأمراض الفيروسية النزفية فتكاً وانتشاراً في المناطق الريفية وشبه الحضرية في آسيا، إفريقيا، الشرق الأوسط، وأجزاء من أوروبا. يسبب هذا المرض فيروس CCHFV المنتمي إلى عائلة Nairoviridae، ويُعد من فيروسات السلامة البيولوجية من المستوى الرابع (BSL-4). ينتقل الفيروس عبر لدغات القراد، وخصوصاً نوع Hyalomma، أو من خلال التلامس مع دم أو سوائل الجسم المصابة، سواء من الإنسان أو الحيوان. يفتقر العالم إلى لقاح فعال أو علاج نوعي للمرض، مما يجعل من تشخيصه المبكر ومراقبته أولوية صحية عامة.
نظراً للطبيعة الحيوانية المنشأ للمرض، فإن التشخيص الفعال يتطلب تكاملاً بين القطاعات الصحية والبيطرية والبيئية، ضمن إطار "الصحة الواحدة". يتناول هذا التقرير استراتيجيات التشخيص في الإنسان والحيوان والقراد، إضافة إلى التحديات المرتبطة بالسلامة الحيوية عند جمع العينات وتشخيصها، ويقدم مقترحات عملية لتعزيز نظم الاستجابة والتشخيص الميداني.
- أولاً: تشخيص CCHF في الإنسان
- 1. الخصائص السريرية والمخبرية
العلامات السريرية الأولية غير نوعية وتشبه الإنفلونزا: الحمى، الصداع، آلام العضلات، الغثيان، والإرهاق. خلال أيام قليلة قد تتطور الحالة إلى طفح جلدي نزفي، نزيف من الفم والأنف، نزف داخلي، وفشل في الأعضاء. في المختبر، يُلاحظ نقص في الصفائح الدموية، ارتفاع في إنزيمات الكبد، ونقص في خلايا الدم البيضاء. ويُعد تحديد هذه المؤشرات المختبرية مهمًا للتوجيه الأولي نحو الاشتباه في CCHF.
- التشخيص الجزيئي
RT-PCR هو الاختبار المرجعي للكشف المبكر، ويُستخدم على عينات مثل الدم الكامل، البلازما، أو سوائل الجسم الأخرى. يتميز بحساسية عالية خلال المرحلة الحادة من العدوى (أول 5 أيام). يتم استهداف مناطق محفوظة من جينوم الفيروس مثل الجين S. يمكن استخدام تقنيات مثل LAMP وRPA في المناطق ذات الموارد المحدودة، نظرًا لبساطتها وسرعة نتائجها، لكنها لا تزال تتطلب تقييمات ميدانية واسعة.
- الفحوصات المصلية
تستخدم ELISA للكشف عن IgM وIgG في المراحل المتأخرة (ما بعد اليوم الخامس). قد تتأخر الاستجابة المناعية أو تكون ضعيفة في الحالات الشديدة. لذلك يُنصح بإجراء الاختبارين الجزيئي والمصلي معًا. تُستخدم البروتينات النووية المؤتلفة كمستضدات لتحسين دقة ELISA.
- 4. التقنيات الجديدة
يجري تطوير تقنيات سريعة مثل شرائط التدفق الجانبي (LFA)، وتقنيات التشخيص النقطي المحمولة، وهي لا تزال في طور التقييم ولم تُعتمد بعد على نطاق واسع. كما أن هناك جهود لدمج تقنية CRISPR مع الكشف عن RNA الفيروسي، وهو تطور واعد لتوفير أدوات حساسة وميدانية.
- ثانياً: تشخيص CCHF في الحيوانات
- 1. الدور في دورة العدوى
الحيوانات لا تظهر عليها أعراض، لكنها تُصاب بـ viremia قصيرة الأمد (3-7 أيام)، وتلعب دوراً رئيسياً في الحفاظ على دورة انتقال الفيروس بين القراد والبشر. تشمل الحيوانات المصابة: الأبقار، الأغنام، الماعز، الإبل، والخيول.
- الفحوصات المصلية
يُستخدم ELISA للكشف عن الأجسام المضادة IgG كمؤشر على التعرض السابق. وتُستخدم هذه النتائج في دراسات الرصد الوبائي. من التحديات الكبرى عدم وجود مجموعات اختبار تجارية معتمدة وموحدة لجميع أنواع الحيوانات، ما يجعل المقارنة بين المناطق صعبة.
- التشخيص الجزيئي
RT-PCR فعال خلال مرحلة viremia، لكنها قصيرة المدى، ما يتطلب توقيتًا دقيقًا لجمع العينات. تؤخذ العينات عادة من الدم، أو بعد الذبح من الطحال أو العقد اللمفاوية. لا توجد بروتوكولات موحدة لجمع العينات في الحيوانات.
ثالثاً: تشخيص CCHF في القراد
- 1. الأهمية الوبائية
قراد Hyalomma هو الناقل الأساسي والمستودع الطبيعي للفيروس. يمكن أن ينقل الفيروس عبر البيض (انتقال عمودي) أو من خلال التغذية على مضيف مصاب (انتقال أفقي).
- 2. طرق التشخيص
يتم جمع القراد من الحيوانات أو البيئة وتحضيره للفحص المخبري. يُستخدم RT-PCR لاستهداف الجينوم الفيروسي، خاصة الجين S. كما تُستخدم طرق التسلسل الجيني (مثل NGS) لفهم تطور الفيروس ورصد السلالات المختلفة.
- 3. التحديات في جمع وتحليل القراد
يتطلب جمع القراد تدريبًا خاصًا، ويُعد من أخطر مراحل الرصد بسبب خطر العدوى. كما أن تخزين ونقل القراد الحي يتطلب بروتوكولات أمان صارمة.
- رابعاً: السلامة الحيوية ومخاطر جمع العينات
- 1. التصنيف البيولوجي والمخاطر
CCHFV مصنف BSL-4 بسبب قدرته على الانتقال بين البشر ومعدل وفياته المرتفع. يمثل جمع ومعالجة العينات تحديًا كبيرًا في السلامة الحيوية، وقد حدثت حالات عدوى مختبرية ووفيات بسبب التهاون في الإجراءات الوقائية.
- 2. معدات الوقاية الشخصية (PPE)
تشمل الملابس الواقية غير المنفذة، قفازات مزدوجة، نظارات واقية، أجهزة تنفس مزودة بمرشحات هواء PAPR، وأحذية واقية. تُعالج العينات فقط داخل خزانات السلامة الحيوية (BSC-3 أو BSC-4).
- 3. تعطيل العينات
تعطيل الفيروس قبل نقل العينات ضروري، باستخدام الحرارة (56 درجة مئوية لمدة 30 دقيقة) أو محاليل مثل هيبوكلوريت الصوديوم. بعض الكواشف تؤثر على جودة التحليل الجزيئي، ويجب اختيار المواد المعطلة بعناية.
- 4. النقل والتخلص
تُنقل العينات وفق بروتوكولات UN2814 أو UN3373، ويجب التخلص من النفايات البيولوجية بالحرق أو باستخدام أجهزة التعقيم بالبخار (autoclave) المعتمدة دوليًا. يتم تدريب العاملين بشكل دوري على هذه الإجراءات.
- التحديات والتوجهات المستقبلية
- 1. الطفرات الجينية والتشخيص
التحور السريع للفيروس يُصعّب من فعالية اختبارات RT-PCR التقليدية. هناك حاجة لتطوير بادئات واسعة الطيف أو استخدام تقنيات مثل NGS لرصد التنوع الجيني.
- 2. غياب التشخيص السريع الميداني
الافتقار إلى أدوات ميدانية محمولة وسريعة يُقيّد الاستجابة في المناطق الريفية. تحتاج هذه الأدوات إلى أن تكون رخيصة، سهلة الاستخدام، ولا تعتمد على الكهرباء.
- 3. نقص أدوات التشخيص الحيواني
يجب تطوير مجموعات تشخيص حيوانية موحدة ومعتمدة تشمل جميع أنواع المواشي. غياب هذه الأدوات يؤخر الاكتشاف المبكر ويُضعف أنظمة الإنذار المبكر.
- 4. توظيف الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة
يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الرصد، والتنبؤ بمناطق الخطر، وتوجيه فرق الاستجابة بشكل أفضل. هذا يتطلب جمع بيانات منسقة بين القطاعات الثلاثة: الصحي، البيطري، والبيئي.
الاستنتاج
تشخيص CCHF يتطلب استراتيجية متعددة القطاعات ومتكاملة، تجمع بين تقنيات التشخيص الجزيئي والمصلي، مع مراعاة عوامل السلامة الحيوية. يشكل نقص البنية التحتية، والافتقار إلى أدوات ميدانية، وغياب بروتوكولات موحدة، عقبات رئيسية أمام احتواء المرض. الاستثمار في التدريب، تطوير أدوات تشخيص سريعة وآمنة، وتطبيق مبادئ الصحة الواحدة سيكون أساسًا للحد من انتشار الفيروس، خصوصًا في الدول الموبوءة مثل العراق وأفغانستان وتركيا وإيران. التنسيق الإقليمي وتبادل البيانات والتجارب يمثل مفتاحًا لتقوية استجابتنا الجماعية لهذا التهديد المستمر.