المكافحة البيولوجية لقراد الهيلومة في العراق: آفاق جديدة للسيطرة على النواقل

 

د. ماجد حمید الصایغ / اختصاص امراض الدواجن / استرالیا

مقدمة
يشهد العراق زيادة حادة في حالات الإصابة بحمى القرم–الكونغو النزفية (CCHF)، وهو مرض تنقله في الأساس أنواع من قراد الهيلومة. وتُعزى هذه الزيادة إلى عدة عوامل، منها الظروف المناخية الملائمة، والممارسات التقليدية في تربية الحيوانات، وضعف نظم المراقبة الوبائية. وعلى الرغم من أن المبيدات الكيميائية لا تزال الوسيلة الأساسية للسيطرة على القراد، فإن الإفراط في استخدامها أدى إلى ظهور سلالات مقاومة وتسبب في آثار بيئية سلبية. ولهذا، بدأ الاهتمام يتجه نحو بدائل أكثر استدامة، ومن أبرزها المكافحة البيولوجية باستخدام الفطريات الممرضة للحشرات.

 

فهم الناقل والتحدي في العراق

تُعد أنواع Hyalomma marginatum وHyalomma anatolicum من الأنواع الشائعة في العراق، وهي تتكيف جيدًا مع البيئات الجافة والحارة. تتميز هذه الأنواع بسلوكها العدواني وفترة تغذيتها الطويلة، ما يجعلها فعالة جدًا في نقل فيروس حمى القرم–الكونغو. وغالبًا ما توجد على الأغنام والماعز والأبقار، وأحيانًا على الحيوانات البرية. وتؤدي ممارسات الذبح غير المنظمة، ونقص التوعية، وانعدام برامج مكافحة القراد في المناطق الريفية إلى بقاء خطر انتقال المرض إلى الإنسان قائمًا. يبلغ نشاط القراد ذروته في الربيع والصيف، وهو ما يتزامن مع ذروة نشاط الزراعة والرعي، مما يزيد من احتمالية انتقال المرض إلى الإنسان.

الفطريات كوسيلة طبيعية لمكافحة القراد
أظهرت الفطريات الممرضة مثل Metarhizium anisopliae وBeauveria bassiana فعالية كبيرة في القضاء على القراد. إذ تعمل هذه الفطريات عن طريق الالتصاق بجسم القرادة، ثم اختراق طبقتها الخارجية والنمو داخلها، مما يؤدي إلى موتها خلال بضعة أيام. وتمتاز هذه الطريقة بأنها آمنة بيئيًا، ولا تضر بالحيوانات أو الإنسان، كما تقل فيها احتمالية ظهور مقاومة. وقد أظهرت تجارب ميدانية حديثة فعاليتها بوضوح:

في باكستان، تم استخدام عزلات محلية من M. anisopliae وأدت إلى انخفاض ملحوظ في أعداد قراد الهيلومة على الأبقار.

في إسبانيا، أدت تطبيقات B. bassiana في جحور الأرانب البرية إلى خفض أعداد القراد بنسبة 78.6% خلال شهر واحد.

أظهرت تجارب أخرى أجريت في عام 2025 أن الدمج بين هذه الفطريات وأساليب المكافحة التقليدية يساهم في تقليل أعداد القراد بفاعلية كبيرة.

 

هل يمكن تطبيقها في العراق؟
الإجابة نعم، ولكن مع بعض التحضيرات. التحدي الأكبر في العراق هو الظروف البيئية القاسية، حيث الحرارة الشديدة والجفاف يمكن أن تقلل من فعالية الفطريات. لكن في السنوات الأخيرة، تم تطوير تركيبات زيتية وكبسولات نانوية تساعد على حماية الأبواغ الفطرية وتمكينها من البقاء نشطة حتى في الأجواء القاسية. كما أن العراق لا يمتلك حاليًا منشآت متخصصة لإنتاج هذه الفطريات على نطاق واسع. لذا، يمكن للجامعات والمراكز البحثية العراقية البدء في عزل سلالات محلية من الفطريات وتطويرها بما يتناسب مع البيئة المحلية، ثم استخدامها في أماكن تجمع الحيوانات ومناطق الراحة والظل.

خطوات مقترحة للتطبيق
1- إجراء بحوث محلية: لعزل فطريات فعالة ضد قراد الهيلومة من البيئة العراقية.

2- تطوير التركيبات: باستخدام حوامل زيتية أو نانوية لتحمل الظروف المناخية.

3- التدريب: على استخدام الطرق البيولوجية وتطبيقها عمليًا في الميدان.

4- التوعية المجتمعية: لشرح فوائد الطرق البيولوجية وأمانها مقارنة بالطرق التقليدية.

5- دعم السياسات: لإدماج المكافحة البيولوجية في خطط مكافحة الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان.

نظرة مستقبلية
توفر المكافحة البيولوجية باستخدام الفطريات فرصة فريدة للعراق لمواجهة تحديات الأمراض المنقولة بالقراد بشكل مستدام وآمن. فهذه الطريقة لا تلوث البيئة، ولا تتسبب في تطور مقاومة، ويمكن دمجها بسهولة في برامج الصحة الحيوانية. مع وجود دعم سياسي، وشراكات بحثية، وتوعية مجتمعية، يمكن للعراق أن يصبح رائدًا في المنطقة في مكافحة القراد البيئية، وبالتالي تقليل عبء الأمراض وتحسين صحة الإنسان والحيوان على حد سواء.

اترك تعليقا

قد يعجبك ايضا