العنوان: مراجعة شاملة لإدارة النفايات البيولوجية في العراق: مقارنة بين القطاعين الطبي والبيطري والممارسات العالمية
د. ماجد حمید الصایغ / اختصاص امراض الدواجن / استرالیا
- أولًا: مقدمة موسعة تُعد النفايات البيولوجية من أخطر أنواع النفايات الناتجة عن الأنشطة البشرية، لما تحتويه من ملوثات ميكروبية وكيميائية ودوائية وإشعاعية تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على صحة الإنسان والحيوان والبيئة. وتشمل هذه النفايات المواد الناتجة عن المرافق الصحية (المستشفيات، العيادات، المختبرات)، والأنشطة البيطرية والزراعية مثل الأنسجة والدم والإبر والأدوية منتهية الصلاحية وبقايا العينات البيولوجية.
على المستوى العالمي، أبرزت الأزمات الوبائية مثل كوفيد-19 أهمية الإدارة السليمة للنفايات البيولوجية كعنصر حيوي في أمن الصحة العامة. وفي الدول النامية مثل العراق، تشكل هذه النفايات تهديدًا مضاعفًا بسبب ضعف البنية التحتية.
في العراق، تُنتج كميات كبيرة من النفايات البيولوجية سنويًا، إلا أن معظمها يُدار بشكل غير آمن. وتمتد المشكلة لتشمل القطاعين البشري والبيطري. وغالبًا ما يُهمل القطاع البيطري رغم دوره الأساسي في الأمن الغذائي ونهج "صحة واحدة". في العديد من الحالات، تُرمى جثث الحيوانات على الطرق الزراعية أو تُحرق أو تُلقى في شبكات الصرف الصحي أو المياه، مما يسبب تلوثًا بيئيًا حادًا.
تشير التقارير المحلية والمشاهدات الميدانية إلى انتشار واسع للتخلص من جثث الحيوانات المصابة بأمراض مثل الحمى القلاعية والدواجن في الأماكن المفتوحة، كجوانب الطرق، والقنوات، والمناطق السكنية، مما يعد انتهاكًا صارخًا لقوانين الصحة العامة والبيئة، ويتسبب في انتشار الروائح الكريهة ونواقل الأمراض مثل الذباب والبعوض، ويعرّض الكلاب والقطط السائبة للتسمم أو العدوى.
تهدف هذه المراجعة إلى تقديم تحليل مفصل لمصادر النفايات البيولوجية في العراق وآليات إدارتها والممارسات السائدة، مع مقارنتها بالتجارب الدولية. كما تناقش التحديات البنيوية والتشريعية، وتأثيرها على الصحة العامة والبيئة، وتقدم توصيات علمية مستندة إلى تجارب الدول الأخرى.
يستند هذا العمل إلى نتائج منشورة في دراسات مثل "النهج البيولوجي لإعادة تدوير مياه الصرف في العراق" (الموسوي، 2014) المنشورة في مجلة Air, Soil and Water Research، والمراجعة التي قدمها تود (Todd) في عام 2024 في Journal of Food Protection حول الأمراض المنقولة بالمياه ومعالجة مياه الصرف في العراق، والتي تقدم حلولًا مبتكرة للتعامل مع التلوث البيولوجي والكيميائي، وتؤكد على سوء الإدارة في المستشفيات والعيادات العراقية.
- ثانيًا: المنهجية تم اتباع نهج وصفي تحليلي
- مراجعة الأدبيات بين 2014 و2024 حول إدارة النفايات البيولوجية والمياه الملوثة في العراق والدول المقارنة.
- تحليل التقارير الرسمية من وزارات الصحة والبيئة والزراعة العراقية، ومنظمات دولية (مثل منظمة الصحة العالمية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومنظمة الأغذية والزراعة).
- دراسات حالة من مستشفيات في بغداد والنجف والبصرة، مع دمج نتائج الموسوي وتود.
- تحليل التشريعات والقرارات الرسمية الحالية.
- مقارنة السياسات مع مصر والهند والأردن وتركيا وألمانيا.
ثالثًا: النتائج
مستويات الإنتاج:
- تُنتج المستشفيات العامة العراقية حوالي 0.5 إلى 3.9 كجم من النفايات البيولوجية لكل سرير يوميًا.
- لا توجد بيانات دقيقة عن نفايات العيادات البيطرية، لكن التقديرات تشير إلى مئات الأطنان سنويًا من الجثث والعينات.
آليات الجمع والفرز:
- فقط 30٪ من المستشفيات تفصل بين النفايات المعدية وغير المعدية.
- نادرًا ما تُستخدم الأكياس الملونة أو الملصقات التحذيرية.
- معظم المرافق البيطرية تفتقر إلى حاويات مخصصة للإبر والأدوات الحادة.
المعالجة والتخلص:
- معظم المنشآت تستخدم محارق بدائية بدون فلاتر.
- فقط 25٪ من المستشفيات تمتلك أجهزة تعقيم بالبخار (autoclave)، وغالبًا ما تكون غير فعالة.
- بعض المنشآت تصرف المياه الملوثة مباشرة في الأنهار أو المجاري (الموسوي).
- في المناطق الريفية، تُستخدم مياه الصرف غير المعالجة لري الخضروات، مما يزيد من مخاطر الأمراض (تود).
التشريعات والرقابة:
ضعف آليات الرقابة وتداخل الصلاحيات بين الجهات الصحية والبيئية والزراعية. لا تغطي التشريعات الحالية النفايات البيطرية بشكل صريح.
- رابعًا: مناقشة معمقة وتوصيات تؤكد الأدلة الميدانية والعلمية أن العراق يواجه أزمة مزدوجة في إدارة النفايات البيولوجية الصلبة والسائلة. وكما أوضح الموسوي (2014) وتود (2024)، فإن مياه الصرف الناتجة عن المستشفيات والمختبرات تشكل ملوثًا خطيرًا بسبب غياب أنظمة المعالجة، مما يسهم في تفشي الأمراض المنقولة بالمياه.
بالمقارنة مع دول مثل الهند وتركيا، يفتقر العراق إلى البنية التحتية الأساسية لمعالجة النفايات الخطرة. في حين أن بعض الدول النامية تبنت وحدات متنقلة لمعالجة النفايات البيولوجية، لا يزال العراق يعتمد على طرق تقليدية مثل الحرق المفتوح والتصريف المباشر.
التوصيات:
- تبني وحدات معالجة بيولوجية صغيرة الحجم كما اقترح الموسوي لمعالجة المياه البيولوجية الملوثة في المرافق الطبية والبيطرية.
- إصدار تشريع موحد للنفايات البيولوجية يشمل النفايات الصلبة والسائلة.
- إجراء مسح وطني لتحديد الملوثات الخطرة باستخدام اختبارات مثل Ames ورصد جينات مقاومة المضادات الحيوية.
- تطوير قواعد بيانات للبكتيريا والمواد المسرطنة الموجودة في المياه والنفايات البيولوجية.
- فرض إلزامية تقديم تقارير دورية عن النفايات من المرافق الطبية والبيطرية.
- حظر التخلص من جثث الحيوانات المريضة في الأماكن العامة وفرض غرامات صارمة.
- إنشاء محطات معالجة لا مركزية في المناطق الريفية والزراعية.
- تدريب الكوادر البيطرية والصحية على تقنيات الفرز والمعالجة الآمنة للنفايات.
- الخاتمة: يشير ظهور السلالات المتحورة لـ IBDV إلى تحديات كبيرة في صحة الدواجن وإنتاجها. تظهر هذه السلالات ضعف فعالية اللقاحات التقليدية بسبب اختلافاتها المستضدية، مما يستدعي تطوير تقنيات لقاحية جديدة موجهة. من خلال تعزيز البحث العلمي، وتحسين المراقبة، وزيادة التعاون الإقليمي، يمكن للصناعة الداجنة مواجهة تأثير الفيروس بشكل أفضل وضمان استدامة الإنتاج.
تُظهر الأدلة العلمية والميدانية أن سوء إدارة النفايات البيولوجية – الصلبة والسائلة – في العراق يشكل خطرًا صحيًا عامًا، ويقوض أهداف التنمية المستدامة، ويهدد الحق في مياه نظيفة وبيئة آمنة. فقد أدى ضعف البنية التحتية وغموض التشريعات إلى تدهور نوعية المياه وانتشار أمراض مرتبطة بالنفايات. ويمثل النهج البيولوجي في المعالجة، كما طرحه الموسوي وتود، حلًا فعالًا ومستدامًا إذا ما تم تطبيقه بدعم مؤسسي مرن. وتُبرز هذه المراجعة الحاجة العاجلة لاستراتيجية وطنية شاملة تجمع بين الوزارات والجامعات والقطاع الخاص من أجل مستقبل صحي وآمن بيئيًا في العراق.