الأجسام المضادة توفر الحماية ضد أنفلونزا الطيور الشديد الضراوة لتحت النوع H5N1 في القردة
الأستاذ الدكتور صلاح مهدي حسن أستشاري وخبير صحة دواجن
عملت الأندلاعات المرضية لفيروسات الأنفلونزا والأوبئة الموسمية تهديدات كبيرة للصحة العامة العالمية، مما أدى إلى العديد من الوفيات كل عام. إن الانتشار المتكرر لفيروسات أنفلونزا الطيور الشديدة الضراوة والتي تتمثل في فايروسات تحت النوع H5 و H7، والتي لديها القدرة على نقل الأصابات بين البشر، يؤكد الضرورة الملحة لاتخاذ تدابير وقائية فعالة.
وضمن هذا السياق ، أعلن باحثون في جامعة بيتسبرغ University of Pittsburgh ومركز أبحاث اللقاحات التابع للمعهد الوطني للصحة NIH Vaccine Research Center ومن خلال بحثهم العلمي الجديد والمنشور في مجلة Science بتاريخ 31 / 1 / 2025 أمكانية أستخدام الأجسام المضادة المعادلة على نطاق واسع (broadly neutralizing antibody (bnAb) MEDI8852) ) كعلاج وقائي في قردة المكاك cynomolgus macaques ، من خطر الأعراض الشديدة الناجمة عن العدوى التنفسية بفيروس أنفلونزا الطيور شديدة الضراوة H5N1 .
مع الأشارة بأن الأجسام المضادة المعادلة على نطاق واسع bnAb) MEDI8852 ) هي أجسام مضادة أحادية النسيلة monoclonal مصممة خصيصًا لأستهداف المحددات المستضدية epitops المتواجدة على بروتين (HA) الخاص بفيروسات الأنفلونزا. والغرض من أنتاجه هو السعي لتوفير حماية أوسع ضد تحت الأنواع المتعددة من فيروسات الأنفلونزا A، بما في ذلك متغيرات أنفلونزا الطيور شديدة الإمراض (HPAI) لتحت النوع H5N1. من حيث أن الأجسام المضادة المعادلة على نطاق واسع bnAb ، والتي تستهدف منطقة مستقرة نسبيًا في فيروس أنفلونزا الطيور، أقل عرضة لفقدان كفاءته التمنيعية مقارنة بالأجسام المضادة التي تستهدف هيكل فايروس الأنفلونزا بالكامل والتي كثيرا" ما تكون بدورها عرضة للطفرات الوراثية.
توفر هذه الميزة قدرة الحماية المناعية في صد الظهور المحتمل لمتغيرات الفيروس، على غرار طفرات SARS-CoV-2 التي تطورت خلال جائحة كوفيد-19، فضلا عن توفير حماية دائمة ضد العدوى التنفسية المنتشرة عالميًا. بينت هذه الدراسة، أن العلاج الوقائي باستخدام الجسم المضاد المعادل على نطاق واسع bnAb) MEDI8852) قبل التعرض لفايروس أنفلونزا الطيور شديد الضراوة كان فعال جدا" في حماية قردة المكاك cynomolgus من الآثار المرضية الشديدة الناجمة عن عدوى فيروس أنفلونزا الطيور شديد الضراوة H5N1. فضلا عن تبيان الدراسة بأن تلك الحماية كانت معتمدة على جرعة الأجسام المضادة المعادلة المستخدمة مع الأشارة بذات الوقت بأن تلك الحماية كانت غير معتمدة على تأثيرات الفعاليات الناتجة عند الطرف Fc و لجميع جميع الجرع المستخدمة. حيث لم تلاحظ الدراسة أي أنحراف في عمل الأجسام المضادة بعد إعطاء طفرات التسلسل الفيروسي ، مما يشير إلى أن العلاج الوقائي بهذه الأجسام المضادة المعادلة على نطاق واسع غير منتخبة لمتغيرات فيروسية محددة و التي يمكن أن تؤثر على فعاليتها، مما يؤكد مداه العلاجي والوقائي الواسع المدى
أشارت هذه الدراسة بأن قردة المكاك التي أعطيت الأجسام المضادة المعادلة MEDI8852 بجرعة 10 ملليغرام لكل كيلوغرام أو أعلى لم تظهر خلل يذكر في وظيفة الجهاز التنفسي بعد الإصابة، مقارنة بحيوانات السيطرة غير المعاملة باضداد التعادل والمصابة بفايروس H5N1 والتي أظهرت العلامات المرضية الشديدة لأنفلونزا الطيور فضلا عن الهلاكات.
أعلنت منظمة الصحة العالمية WHO عن أكثر من 950 حالة أصابة بشرية بأنفلونزا الطيور على مستوى العالم منذ العام 1997، وكان أكثر من نصفها مميتًا، فضلا عن ما أعلنته السلطات الأمريكية حديثا" في كانون الثاني 2025 من أصابة مميتة نتيجة التعرض لفايروس H5N1 ، وبالتالي يستمر القلق بشأن الانتشار الواسع للأندلاعات المرضية لفايروس H5N1 والذي تعلن عنه المنظمة العالمية للصحة الحيوانية WOAH بشكل دوري . وفضلا عن انتشاره بين الأبقار في الولايات المتحدة، انتشر فيروس H5N1 من الطيور البرية إلى اللبائن في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أسود البحر في أمريكا الجنوبية والمنك في أوروبا. وأشار التحليل الجيني لعينتين بشريتين من أمريكا الشمالية إلى أن الفيروس يتكيف ويصبح أكثر قدرة على أحداث المرض والانتشار في اللبائن.
يبدو أن الباحثون في جامعة بيتسبيرغ استشعروا القلق منذ فترة طويلة من احتمالية انتشار أنفلونزا الطيور من الحيوانات إلى البشر، وكانوا يعملون على تطوير واختبار التداخلات الوقائية ( من خلال اللقاحات والأجسام المضادة الواقية ) في أنواع حيوانية تشابه البشر إلى حد كبير. حيث أنه في دراسة لباحثي هذه الجامعة نشرت في مجلة Science أيضا" في العام 2023، أفصحت عن مزيد من التحسينات لنموذج تجريبي لقرد أصيب عن طريق الجهاز التنفسي و الذي يشابه الى حد وثيق أعراض العدوى الشديدة بفيروس H5N1 لدى البشر، بما في ذلك متلازمة ضيق التنفس الحاد acute respiratory distress syndrome ، وهي إصابة رئوية مهددة للحياة يمكن أن تحدث عند التعرض لأنفلونزا الطيور.
أشار الباحثون الى أن أحد المخاوف الخاصة بشأن تطوير علاج وقائي ضد عدوى الأنفلونزا يكمن في ميل الفيروس إلى التكيف بسرعة مع الظروف البيئية الجديدة مما يعمل على حدوث الطفرات والمغايرات الفايروسية . ولأن فيروسات الأنفلونزا الموسمية تتغير وتتجنب الاستجابات المناعية المتراكمة في السنوات السابقة ، فكان من الواجب إعادة أنتاج لقاح فعال للأنفلونزا الموسمية سنويًا ليتناسب مع السلالة السائدة للفايروس. لذلك ، ولأن الأجسام المضادة التي تستهدف منطقة ساق HA المحفوظة عبر عزلات الأنفلونزا المختلفة، مثل سلالة H5N1 التي تم اختبارها في هذه الدراسة الجديدة، تتغلب على التحدي المذكور أعلاه وتوفر حماية كافية وعلى مستوى واسع. إن هذه الأجسام المضادة تستهدف منطقة في مستضد الفايروس لا تختلف بين فيروسات الأنفلونزا المختلفة". وبالمثل، فإن منطقة ساق stalk region لفيروس أنفلونزا الطيور تشبه إلى حد كبير نفس بنية الأنفلونزا الموسمية، مما يجعل من الممكن للأجسام المضادة التي تستهدف الساق توفير الحماية الشاملة لجميع أنواع الأنفلونزا.
وفضلا عن تأكيد هذه الدراسة على فعالية الجسم المضاد المعادل bnAb في منع الأعراض المرضية الخطيرة لفايروس H5N1 ، تمكنت الدراسة أيضاً من تحديد الحد الأدنى لتركيز تلك الأجسام المناعية المطلوب للحماية في المصل وهو قياس مفيد لتحديد العتبة الوقائية للقاح عالمي محتمل للأنفلونزا.
لكل ذلك ، يبدوا أن هذه الدراسة والبحث القيم تمهد لرؤى ثاقبة لتطوير استراتيجيات الوقاية ضد تفشي الأنفلونزا في المستقبل مع العمل على أجراء تدابير طبية مضادة لأندلاعات فيروسات أنفلونزا الطيور شديدة الضراوة .
ولأن هذه الدراسة أشارت الى أن مستويات الأضداد المعادلة MEDI8852 الكافية للحماية بقيت مستقرة لمدة 8 إلى 12 أسبوعًا، مما يشير إلى أنه، إذا تم إعطاء الأضداد مبكرًا، فإنه يمكن أن يحمي المصابين عند الفترات الأولى من الإصابة وغيرهم من العاملين على رعاية المرضى من أطباء وممرضين عند بداية تفشي فيروس H5N1.
للأطلاع على الدراسة المذكورة:
Pre-exposure antibody prophylaxis protects macaques from severe influenza
Masaru Kanekiyo et.al. ( 2025) , Science;387(6733):534-541. doi: 10.1126/science.ado6481. Epub 2025 Jan 30