مدى الترابط بين التلقيحات ضد أنفلونزا الطيور لتحت النوع H5 مع عملية أنتشار الفايروس بين أنواع الطيور وأحداث التغيرات الجزيئية للفايروس
الأستاذ الدكتور صلاح مهدي حسن استشاري وخبير أمراض وإنتاج دواجن
منذ العام 2020، تسببت فيروسات أنفلونزا الطيور من تحت النوع H5 في تفشي المرض في أوروبا والدول الآسيوية فضلا عن الولايات المتحدة الأمريكية التي تعرضت لآثار انفلونزا الطيور لذات تحت النوع العام 2022 والذي شمل أيضا" أصابة اللبائن بأنواعها البرية والبحرية ، مما يشكل تهديداً حقيقياً كبيراً لصناعة الدواجن وتهديداً محتملاً للصحة العامة.
أهتمت دراسة نشرت حديثا" بتاريخ 22 / 1 / 2025 والموسومة (Association of poultry vaccination with interspecies transmission and molecular evolution of H5 subtype avian influenza virus. ) والتي نشرت في مجلة (SCIENCE ADVANCES ) بالمجلد ( 11 ) والعدد ( 4 ) وبالأحداثيات الرقمية (eado9140. doi: 10.1126/sciadv.ado9140. Epub 2025 Jan 22. ) ، التأثير الذي ينتج عن التلقيحات الجماعية في الدواجن ضد تحت النوع H5 لفايروس أنفلونزا الطيور على مدى أنتشار الفايروس مع أحتمالية أن تعمل هذه اللقاحات على التسريع في عملية تغاير الفايروس.
أستكشف هذا البحث ديناميكيات السلالات المختلفة لفايروس أنفلونزا الطيور المنتشرة بين الدواجن الملقحة وغير الملقحة فضلا عن الطيور البرية وللفترة من العام 1996 ولغاية العام 2023 . لقد عملت الدراسة على إعادة بناء تاريخ عملية أنتقال الفايروس لتحت النوع H5 من فيروسات أنفلونزا الطيور في الطيور البرية وقطعان الدواجن المعاملة بمختلف البرامج اللقاحية.
كشف تحليل الدراسة عن تحول من السلالة المنتشرة بين الدواجن الصينية إلى السلالة المنتشرة بين الطيور البرية. وقد انتقلت سلالات الطيور البرية في كثير من الأحيان إلى الدواجن الأوروبية غير المحصنة، في حين يبدو أن هناك أعاقة في انتقال هذا الفيروس من الطيور البرية إلى الدواجن المحصنة . علاوة على ذلك، فإن نسب الفيروس المنتشر في الدواجن الصينية عالية التحصين يُظهر دليلاً على المزيد من التطور الجزيئي والتكيفي غير المسبوق في جين HA بعد تاريخ إدخال التلقيح الجماعي لتلك الدواجن ، والذي يعتقد أن تكون سلالات الفايروس في الدواجن الصينية قد تعرضت لتطورات جينية نتيجة اللقاحات أكثر من السلالات الفايروسية الأخرى. كما أشارت بان هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد ما إذا كان لهذه التغييرات الجينية أي تأثير على الطفرات الوراثية لجين HA الموجود في السلالة الأخيرة لفايروسات الطيور البرية .
ومن الحقائق المعروفة فبسبب ارتفاع معدل انتشار الفيروس في الصين وجنوب شرق آسيا، تعتبر الدواجن الصينية و دواجن جنوب شرق آسيا، المستودعات الرئيسية لفيروس H5 HPAIV العالي الضراوة. عملت الدراسة على التأكيد بأن أنتشار فيروس H5 AIV إلى المناطق الأخرى من العالم كان من خلال هجرة الطيور وتجارة الدواجن، فضلا عن أن نتائج الدراسة كشفت عن وجود تأخير زمني قدره 2-3 سنوات بين ذروة انتشار السلالة من الدواجن الصينية وذروة أنتشار السلالة في الدواجن الأوروبية. وعلى الرغم من أنه هناك اقتراح سابق بأن الانتشار العابر للقارات لفيروس H5 AIV قد يحدث خلال دورة هجرة واحدة للطيور، الا أن التأخير الذي لاحظته هذه الدراسة قد يعزى جزئيًا إلى المناعة الموجودة مسبقًا في الطيور البرية، والتي قد توفر حماية جزئية ضد العدوى والمرض ، والذي يؤدي في الوقت نفسه إلى انخفاض في أنتشار الفايروس بين الطيور البرية فضلا عن احتمالية الحد من تفشي المرض على نطاق واسع في الطيور البرية. ومع ذلك، فإن مدة الحصانة التي تمنحها الإصابة السابقة بفيروس أنفلونزا الطيور ومدى تأثيرها على وبائية الفيروس لا زالت غير واضحة ؟. من جهة أخرى ، فإن العمر القصير نسبيًا للعديد من الطيور البرية (أقل من 3 سنوات) قد يؤدي إلى ارتفاع معدل دوران الطيور البرية السالبة مصليا في الطبيعة. ومع تحول مستودع فيروس H5 AIV من الدواجن الصينية إلى الطيور البرية ، فمن المرجح أن الهجرة المتكررة والتوزيع المكاني واسع النطاق للطيور البرية سهّلت انتقال العدوى بين الأنواع بين الطيور البرية وقطعان الدواجن.
ومن الأهمية بمكان أن تعزز الدول والمناطق المراقبة المنتظمة لفيروسات أنفلونزا الطيور في الطيور البرية ومراقبة فاعلة لديناميكية انتشار الفيروس .
ومن الملاحظات العالمية في موضوع أنفلونزا الطيور وفي أعقاب استراتيجية التلقيح الجماعي للدواجن التي أتبعتها الصين منذ العام 2005، فقد تمت السيطرة على انتشار فيروس H5 AIV بشكل جيد نسبيًا. كما يبدو أن انتقال هذه الفيروسات بين الأنواع من الدواجن الصينية أو إليها محدود. ومع ذلك، تشير الدراسة بأنه ربما شهدت سلالة الفايروس في الدواجن الصينية تطورًا مستضديًا أكبر مقارنة بسلالات الفايروس لأخرى. أشارت العديد من الأبحاث أن الطفرات في مواقع الأحماض الأمينية 136، 142، 157، 172، 201، و205 في جين H5 AIV HA تقلل التفاعل مع أنواع معينة من الأجسام المضادة، مع أن الأحماض الأمينية في المواقع 142 و172 و 205 تعمل أيضًا كمحددات مناعية سائدة في فيروسات H5. اكتشفت هذه الدراسة تغايرا" جينيا" في مواقع الأحماض الأمينية 142 و157 و172 و205 في السلالات الفايروسية للدواجن الصينية ولكن ليس في السلالات الفايروسية للطيور البرية أو في الدواجن الأخرى. ينتشر فيروس H5N6 حاليًا بين الدواجن الصينية وهو يُظهر تغايرا" مستضديًا عن السلالات الفايروسية المتواجدة في اللقاح التجاري الصيني، والذي يؤدي إلى انخفاض فعالية اللقاح وكفائته التحصينية. وبالتالي تشير هذه الدراسة بقوة الى أنه عند أعتماد التلقيح وأستخدام اللقاحات كاحدى وسائل السيطرة على أنفلونزا الطيور ، يكون من الضروري والواجب على أعتماد المراقبة المنتظمة والعمل على تحسين اللقاح المستخدم والذي لابد من أحتوائه على المتغايرات الفايروسية المنتشرة لتحسين كفائته التمنيعية في الحد من أصابات الفايروسات الجديدة.
في حين أنه من غير المرجح أن تكتسب فيروسات H5 HPAIV المعاصرة القدرة على العدوى والانتشار بشكل مستقر بين البشر، إلا أنه لا تزال هناك حاجة ملحة للسيطرة على انتشار الفيروس بين الطيور البرية ، ليس فقط للحفاظ على الحياة البرية ولكن أيضًا لضمان سلامة الدواجن و البيئة . كما أشارت الدراسة الى البعض من المحددات التي واجهة الدراسة وهو من باب الأمانة العلمية والتي كانت بالشكل الآتي:
أولا" ، على الرغم من أن الدراسة حصلت على نتائج قوية مدعومة من خلال مجموعات البيانات المختلفة، فإن معدلات أخذ العينات غير المتجانسة من الطيور والدواجن البرية المصابة قد تؤدي إلى تحيز في القراءات.
ثانيا، على الرغم من وجود ارتفاع في معدل التلقيحات عند الدواجن الصينية، لم يكن من الممكن استخلاص السلالات الفيروسية المنتشرة حصريًا في الدواجن المحصنة بسبب حالة التلقيح غير المعروفة لجميع العينات التي شملتها الدراسة.
ثالثًا، التحديد الدقيق للدول المضيفة للأسلاف في سلالات فيروس أنفلونزا الطيور يمثل تحديًا بالنسبة للبلدان ذات المراقبة المحدودة لفيروس الأنفلونزا في مجموعات الطيور البرية.
وأخيرا، فإن النقص في البيانات الوراثية الفيروسية وبيانات المراقبة عند العديد من البلدان التي تقوم بالتلقيح /غير التلقيح قد يحول دون إجراء تحليل مقارن للديناميكية التطورية بين السلالات الفايروسية للدواجن ذات مستويات التلقيحات المختلفة.
في الختام، بينت هذه الدراسة حقيقتين أساسيتين :
1- تشير النتائج التي توصل إليها البحث المعني إلى أن جين HA (الهيماجلوتينين) من سلالة تحت النوع AIV الذي ينتشر في الغالب في الدواجن الصينية المحصنة قد شهد تغايرا" غير معروف nonsynonymous divergence مع ثباتا" في التكيف adaptive fixation أقوى من السلالات الأخرى.
2- تشير نتائج البحث إلى أن التبعات الوبائية والبيئية والتغيرات الجينية للتلقيحات على نطاق واسع ضد فيروس أنفلونزا الطيور في الدواجن قد تكون مرتبطة باليات معقدة وأن هناك حاجة إلى الكثير من العمل والبحث لفهم أفضل لكيفية تأثير هذه التداخلات على انتقال فيروس أنفلونزا الطيور إلى الطيور البرية وفيما بين الطيور البرية ومن الطيور البرية ؟؟.
مع استمرار أنفلونزا الطيور في فرض تحديات كبيرة على صحة الحيوانات البرية والداجنة ، يمكن لهكذا أبحاث أن تساعد في تطوير التدابير الوقائية ضد فيروس أنفلونزا الطيور ، مثل سياسات التلقيح العالمية.
ملاحظة مهمة : أربط مع هذه المقالة خمسة صور متعلقة بأصل البحث العلمي الذي تناولته هذه المقالة ..